الكوفية:لا تغير في العلاقات الاستراتيجية الأمريكية - الإسرائيلية، ولا عقوبات خشنة ضد اسرائيل عسكرية ومالية، فغالانت وزير حرب اسرائيل ومعه مدير مشتريات الجيش الإسرائيلي في محادثاتهما مع القادة الأمريكان سيحصلان على المزيد من صفقات السلاح الأمريكي المتطور، والدعم المالي لن يتوقف، بل سيزداد، والموقف الأمريكي الذي عبر عنه بالامتناع عن التصويت من أجل تمرير قرار يتعلق بوقف مؤقت لإطلاق النار في بقية شهر رمضان لدواع إنسانية، وتسهيل دخول المساعدات الإنسانية بشكل واسع للقطاع على خلفية المجاعة التي يعاني منها قطاع غزة. أمريكا على لسان مستشار أمنها القومي جون كيربي والناطق باسم خارجيتها ماثيو ميلر، يؤكدان بأن القرار غير ملزم، وانه لا يعبر عن تغير في السياسة الأمريكية، وعدم التصويت الأمريكي على القرار، لأنه لم يتضمن إدانة لحماس، ولان القرار لم يصدر تحت الفصل السابع من ميثاق مجلس الأمن، أي التهديد باستخدام القوة العسكرية اذا ما رفضت اسرائيل تطبيقه والالتزام به. ولذلك هذه "الهوجه"
و"الهمروجه" والتضخيم لهذا الموقف الأمريكي وقول البعض انه بداية تصحيح في الموقف الأمريكي تعوزه الدقة والمصداقية، واذا كانت فصائل المقاومة قد رحبت بهذا القرار، من زاوية ان يكون وقف إطلاق النار مدخلا لوقف إطلاق نار شامل ورفع للحصار وانسحاب شامل من القطاع وعودة النازحين الى مناطقهم والدخول في صفقة تبادل جدية للأسرى، فهذا القرار الضعيف الذي جرى افراغه من مضمونه، فيه عوار في صياغاته، ليس فقط بعدم الدعوة لوقف إطلاق نار دائم ومستدام، كما طالبت روسيا بالتعديل، بل لم يتطرق الى إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين، والحملة الشرسة التي شنها نتنياهو على هذا القرار، والقول بتراجع أمريكا عن موقفها الثابت من بداية الحرب، هي حملة متعمدة ومصطنعة، تاتي لكي يوظفها نتنياهو في الصراعات الدائرة في مجلس الحرب المصغر والمجلس السياسي والأمني الموسع وعلى مستوى الحكومة، فهو يريد ان يحقق نقاطا ويزيد من شعبيته أمام جمهور اليمين واليمين المتطرف، ويظهر نفسه بأنه بطل قومي يتصدى للسياسات والمواقف الأمريكية ويعترض عليها، ولكن لا يقطع معها كحليف استراتيجي، وكذلك يريد حرف الأنظار عن التصويت على قرار التجنيد الخاص باليهود "الحرديم"، الذي وصفه زعيم المعارضة الإسرائيلية لبيد بأنه وصمة عار في جبين "الجيش" وبأنه يضر بالوحدة وامن اسرائيل، وعلى خلفية التصويت عليه وتمريره، وان يعلن غانتس وايزنكوت بأنهما سينسحبان من المجلس الحربي المصغر. "وهيزعة " و"همروجة" نتنياهو تذكر بمواقفة في عام 2015 ضد الاتفاق النووي بين ايران وأمريكا، وكذلك الحملة التي شنها على قرار الرئيس الأسبق اوباما بالامتناع عن التصويت في نهاية حكمه كانون اول 2016، على قرار ايده 14 عضوا في مجلس الأمن، الذي اعتبر الاستيطان في القدس والضفة الغربية غير شرعي، ودعا اسرائيل الى وقف كل انشطتها الاستيطانية، اي قرار لمرة واحدة بدون تطبيق والتزام.
لذلك فان هذا القرار لا يجوز تحميله أكثر مما يحتمل، وهو وإن أتي كنتيجة للحجم الكبير للمجازر والتجويع والمشاهد المرعبة لحجم الدمار والخراب، التي أنتجت فقدان اسرائيل للرأي العام الشعبي الأوروبي، وخسارة لروايتها وسرديتها، ووجدنا ان هناك انتفاضة شعبية عالمية، مسيرات واعتصامات ومظاهرات وتجند كبير لرفع قضايا على قادة وضباط وجنود اسرائيل، بتهم ارتكاب جرائم حرب في محكمة الجنايات الدولية، ومطالبة بمعاقبة اسرائيل ووقف الحرب على قطاع غزة، وضرورة إدخال المساعدات الإنسانية بشكل واسع وتأمين الحماية للمدنيين، ولكون امريكا مصطفة الى جانب اسرائيل في تلك الحرب والجرائم الناتجة عنها، وصاحبة مشروع الحرب على قطاع غزة، ومع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية، والتململ والتحول الكبير في الحركة الشعبية والجماهيرية على الصعيد الداخلي الأمريكي، وخاصة في الولايات التي تقطنها اغلبية عربية - اسلامية، تريد معاقبة بايدن على موقفه وحكومته من الحرب على غزة بعدم التصويت له في الانتخابات، فهذا الموقف من أجل تبيض صفحته امام تلك الجماهير، وكذلك بايدن ونتنياهو دخلا في سباق، أيهما سيقصي الثاني، فإذا كان ثمن الفوز في الانتخابات الأمريكية رحيل نتنياهو فليرحل، ونتنياهو يرى بأنه كبديل عن الهزيمة في غزة، يكفيه شرف إسقاط بايدن وترجيح كفة صديقه الحميم ترامب بالعودة للحكم في معركة لم تكتب فصول نهايتها بعد، وسيأتي الوقت الذي تنتهي به. بايدن ونتنياهو اصبحا على مبدأ "رابح - رابح"، كل واحد يستخدم مواقفه، لكي يبيض صفحته امام جمهوره وجبهته الداخلية، ونحن ندرك أن كلا الرجلين في أزمة، وفي إطار المفاضلة في المصالح والأولويات، فان بايدن لكي يصل للرئاسة لا مانع من التضحية بنتنياهو، ولكن بالمقابل، هو لا يريد الهزيمة لإسرائيل فهذا يعني الهزيمة لأمريكا، والخلافات بين أمريكا واسرائيل يجب ان تبقى تحت سقف أمريكا "صهيونية" واسرائيل القاعدة المتقدمة لأمريكا في المنطقة، ولذلك يجب انقاذ اسرائيل من الهزيمة، ووقف تداعيات خسارتها عالمياً على صعيد الرواية والسردية والعزلة الدولية التي تتنامى وتكبر يوماً بعد يوم، وهناك خشية أن تصل الى حد قطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل ووقف تزويدها بالسلاح، وهناك بوادر في هذا الاتجاه، حيث ان كندا وايطاليا، اعلنتا بأنهما ستوقفان تزويد اسرائيل بالسلاح، واربع دول اوروبية هي اسبانيا وسلوفانيا ومالطا وايرلندا، قالت بأنها ستعترف بالدولة الفلسطينية في الوقت المناسب، وكذلك فان هذا القرار يشكل خشبة انقاذ للأنظمة العربية امام جماهيرها التي تتهمها بالعجز والتواطؤ والمشاركة في العدوان على قطاع غزة.
وفي الختام علينا القول بأنه يجب التمييز في العلاقة بين الدول وبين الأفراد، فالخلاف المتصاعد بين بايدن ونتنياهو على خلفية تحديه للإدارة الأمريكية وتمرده على نصائحها ومواقفها، كان يحتاج الى "لي ذراع" له، دون استخدام للعقوبات الخشنة، في حين العلاقات الاستراتيجية التي ترسمها الدولة العميقة بين البلدين تبقى ثابتة، فأمريكا هي الحليف الاستراتيجي المضمون، وفي هذا السياق اشار الجنرال العسكري الإسرائيلي المتقاعد عاموس جلعاد الى "الاستراتيجية القوية التي تعتمد على قوة الجيش"، والذي بدوره يعتمد على تزوده بالسلاح من أمريكا، وهناك من ذهب الى ابعد من ذلك، وقال بأنه لولا الجسر الجوي والبحري الأمريكي لكانت اسرائيل تحارب بالعصي والحجارة منذ اليوم الثالث للحرب على قطاع غزة.