الكوفية:طوَّق الحصار الإسرائيلي قطاع غزة برا وبحرا وجوا ، أقفل عليه منافذ ومخارج الصادر والوارد، غير أن صيادي غزة ظلوا يبحثون عن لقمة العيش في وسط البحر، لكنهم لم يسلموا من نيران الاحتلال الإسرائيلي.
فهناك نحو 4000 آلاف صياد غزّي، يكابدون مشقة الحياة هنا بكل تفاصيلها مثلهم كمثل نحو مليوني مواطن ما زالوا يكابدون عناء الظروف، وما زالوا في الوقت نفسه يبحثون عن بارقة أمل تنجيهم من عواقب ما أودعه الحصار في شتى مناحي حياتهم.
فأصبحت مهنة الصيد هدفًا مباشرًا لبحرية الاحتلال، فالصيادون الفلسطينيون هم من أكثر الفئات التي تعاني من الفقر المدقع في غزّة، حيث أن نزولهم إلى عرض البحر قد يكلّفهم فقدان معدّاتهم من قوارب وشباك، وفي حالات ليست قليلة، قد يكلفهم حياتهم.
اعتداءات لاتتوقف
صعدت قوات الاحتلال من اعتداءاتها على الصيادين ،اليوم الخميس، واعتقلت أربعة صيادين فلسطينيين على مسافة 11ميلا من بحر مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة.
فيتجه صيادو غزة كل يوم مع ساعات الصباح الباكرة، إلى الميناء يستعدون للإبحار من أجل البحث عن لقمة العيش لهم ولعوائلهم، وما أن تدخل القوارب لعرض البحر يفاجئ الصيادون بزوارق الاحتلال تلاحقهم وتطلق عليهم النار ترغمهم للعودة إلى الشاطئ الحزين يجرون خلفهم خيبة الأمل.
اعتداءات همجية يومية تنفذها إسرائيل بحق الصيادين، فلم تتوقف سلطات الاحتلال لحظة واحدة عن تضييق الخناق والإمعان في التنغيص علي الصيادين في قطاع غزة ،وتتنوع ما بين إطلاق النار، فتارة تستهدفهم زوارقها البحرية بالرصاص الحي ومراكبهم، وتارة أخرى تعتقلهم وتُصادر أدواتهم، وغالباً تحظر عليهم دخول البحر لمسافاتٍ مُحددة، كي تُرهقهم وتحرمهم من لقمة عيشهم بالتزامن مع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المأساوية التي تضرب كافة الشرائح.
معركة يومية من أجل لقمة العيش
يبلغ الصياد "ع.ع" من العمر 45 عامًا، ويعيل عائلته المكونة من 10 أفراد، منهم طفلان في 13 و15 من عمرهما، اضطرا تحت ضغط الحاجة والفقر لترك تعليمهما المدرسي لمساعدة والدهما في عمله الذي قال إنه لا يستطيع تشغيل عمال معه لأن رزقه على "قده"، واصفًا ظروفه الاقتصادية بتحت الصفر.
وقال الصياد "ع.ع" والكلمات تخنق صوته :" يمر أكثر من شهرين دون أن أجني أي مبلغ من المال. لا أعلم كيف يعيش أهل بيتي، لقد تعرضت لعدة اعتداءات أثناء عملي في الصيد، وصادر الاحتلال قاربي الوحيد".
وفي رواية أخري يقول الصياد"م.ب" ، الذي تتكون عائلته من سبعة أفراد: "نتعرض دائمًا لاعتداءات من قبل جنود البحرية الإسرائيلية، وفي بداية العام الحالي، تعرض قاربي لإطلاق نار كثيف استمر لمدة نصف ساعة، وكانت المسافة قريبة بيني وبينهم، مما مكنني من سماعهم وهم يضحكون لما يفعلونه بنا".
"وأضاف:"بعد أن كنا تجار سمك أصبحنا عمالا نشتري السمك من بعض التجار كي نبيع لهم السمك مقابل 20 شيكل في اليوم"، مضيفًا أنه "مع بداية العام الحالي، بدأ ابني البالغ من العمر 10 سنوات، بالعمل معي في مهنة الصيد، لأنني لا أستطيع تشغيل عمال معي".
انتهاكات الاحتلال لقواعد القانون الدولي الإنساني
قال مركز الميزان لحقوق الإنسان إنّ "قوات الاحتلال تواصل انتهاكاتها بحق النشاط البحري الفلسطيني في قطاع غزة، مستهدفة الفلسطينيين عموماً وفئة الصيادين على وجه الخصوص، وتفرض حصاراً خانقاً على قطاع الصيد وتستهدف العاملين فيه وممتلكاتهم، بما يخالف قواعد القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان".
وأضاف "الميزان" في تقريره الخاص حول انتهاكات قوات الاحتلال بحق الصيادين في بحر غزة، أنّ "الفلسطينيين تعرضوا جرّاء الحصار البحري لصنوف مختلفة من الانتهاكات تشمل تضييق مساحات المناطق التي يسمح لهم فيها بممارسة أنشطتهم البحرية، ولا سيما أنشطة الصيد، إذ تحظر قوات الاحتلال على الفلسطينيين العمل في مناطق تقدّر نسبتها بحوالي 85% من مساحة الصيد التي أقرّتها اتفاقية أوسلو الموقعة بين منظمة التحرير الفلسطينية ودولة الاحتلال عام 1993".
وتواصل قوات الاحتلال استهداف النشاط البحري الفلسطيني عبر إطلاق النار المباشر تجاه الصيادين وإيقاع القتلى والجرحى في صفوفهم، وملاحقتهم في عرض البحر واعتقالهم، حيث تستخدم أعنف الأساليب التي من شأنها أن تحطّ من كرامتهم الإنسانية أثناء عملية اعتقالهم، وتعتدي عليهم جسدياً، كما توجه لهم الاهانات اللفظية، وتجبرهم على خلع ملابسهم والسباحة في عرض البحر رغم برودة الطقس، في استهانة واضحة بقيمة الإنسان التي حرصت المواثيق الدولية على تعزيزها والاعلاء من شأنها.
وذكر المركز الحقوقي في تقريره إن قوات الاحتلال "تقوم بتدمير ممنهج لمعدّات الصيد الخاصة بالصيادين الفلسطينيين، وتستولي على قواربهم، وفي بعض الأحيان تفتح الزوارق الحربية التابعة لتلك القوات خراطيم المياه تجاه مراكب الصيادين ما يؤدي إلى إغراقها بشكل جزئي أو كلي، وغالباً ما ترتكب هذه الانتهاكات داخل مساحة الصيد التي سمحت قوات الاحتلال بالصيد فيها".
ولفت المركز إلى أنّ هذا التقرير يأتي في سياق عمله على تعزيز وحماية حقوق الإنسان واحترام قواعد القانون الدولي الإنساني، ورصد الانتهاكات وتوثيقها وفضحها، والعمل على الحد منها وصولاً إلى وقفها. كما يهدف إلى الكشف عن أنماط الانتهاكات التي ترتكبها قوات الاحتلال، واضعاً المجتمع الدولي والأطراف السامية الموقعة على اتفاقية جنيف الرابعة للعام 1949 أمام مسئولياتهم القانونية والأخلاقية