- 4 شهداء جراء قصف الاحتلال منزلا لعائلة كحيل في شارع الشهداء بحي الرمال غرب مدينة غزة
ستدخل غزة موسوعة الأرقام القياسية في طول الحصار، وسيسجل أهلها أرقاماً قياسية في الصبر والتحمل لواقع وجدوا أنفسهم فيه يصرخون دون أن يسمعهم أحد، وسط لامبالاة كل من يتفرج على أكبر كارثة إنسانية تعيشها هذه البقعة الصغيرة المنسية من الرحمة.
وفي كل صيف ترتفع الحرارة أكثر وتنقص الكهرباء أكثر ويتزايد السكان ويتكاثر الازدحام ويرتفع الطلب على الموارد الشحيحة فلا تجد غير الأنين الحزين صوتاً لأهلها.
هذه البقعة الصغيرة يتكفل بحرها في الصيف بزيادة نسبة الرطوبة لتتحول الحياة إلى جحيم لا يطاق وينشغل ساكنوها بالشكوى وفصائلها بالبحث عن حلول في مشهد يتكرر كل صيف.
وفي كل مرة تتفاقم الأزمة ولا حل سوى وعود منذ سنوات بعضها محلي وبعضها إقليمي، أغدق ما يكفي من الحلول النظرية والشبكات ولم يعد هناك شيء حقيقي سوى الشكوى والوجع الدائم.
خلال الأسبوع الماضي وفي محاولة منها للاستجابة لصدى الألم الصادر اجتمعت الفصائل مع شركة توزيع الكهرباء وسلطة الطاقة.
وكعادة الأشياء لا حلول وفي هذا الاجتماع ربما ما يلقي الضوء على أزمة الفصائل نفسها من جانبين الأول: أنها لم ترسل مهندسين متخصصين لنقاش هذا الملف بل نفس السياسيين الذين يناقشون كل شيء.
هذا يعني أن الفصائل لا تتعامل مع الاختصاص وهي تضم كوادر متخصصة من أبنائها، ولكن اختصار كل شيء في نفس النخبة السياسية لتناقش كل شيء بلا عمق تلك وحدها مشكلة، ونحن بحاجة للتعرف على آلية العمل في الفصائل وكيف يتم اتخاذ القرار فيها والبيانات الصادرة دون التشاور مع أصحاب الشأن.
الأزمة الثانية أن هناك غياباً لإدراك سبب الأزمة، فالغوص في التفاصيل هو عبارة عن غرق في الفروع بمعزل عن الجذر الرئيس للمشكلة ببعده السياسي والذي لا علاقة لشركة التوزيع أو لسلطة الطاقة به. وهو أن الاحتلال لديه معادلة محكمة تجاه قطاع غزة كان التعبير الأكثر وضوحاً عنها هو اعتراف ليبرمان الشهير بـ»إبقاء الرأس فوق الماء» لن يتركه يغرق فيغرِق معه إسرائيل حين ينفجر ولن يتركها تعيش لأنه وفق هرم ماسلو الذي توصلت له مراكزها في تفسير الانتفاضة الأولى: حين تشبع فإنها تتفرغ للقضايا الوطنية وبالتالي يجب إبقاؤها وإبقاؤها مشغولة في تفاصيل المعيشة والقضايا الإنسانية والغذاء والكهرباء والحركة والماء وكل هذه التفاصيل.
لذا يبدو النقاش بمجمله في البحث عن حلول داخلية وحساب كميات التوليد والتوزيع والجوانب الفنية جدلاً يعزل الأزمة عن واقعها السياسي، حتى بعض النخب السياسية والثقافية وجدت نفسها تنغمس في نفس النقاش كما الفصائل والناس «نقاش الفروع» دون البحث عن قراءة جدية لواقع المنطقة وتعقيداتها السياسية ومصالح الأطراف ومعادلاتها وموقع غزة.
منذ طرد السلطة من غزة وسيطرة حركة حماس قامت إسرائيل بفرض حصار على القطاع بذريعة أن لا اتفاقيات تحكمها مع الجهة الحاكمة بل وتعتبرها جهة معادية وتصنفها منظمة إرهابية.
وتحت هذا التصنيف أباحت لنفسها قطع الحياة عن السكان بموافقة المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي الذي يعترف بالسلطة واتفاقياتها، ومنذ أن تعهدت حركة حماس برفع الحصار حتى اللحظة ما زال نفس الشعار يتكرر منذ ستة عشر عاماً وتزداد الأزمة تفاقماً مع الزيادة الديمغرافية، فقد كان عدد السكان مليونا ونصف المليون العام 2007 والآن يصل عدد السكان إلى نحو مليونين وربع المليون.
تحكم حماس القطاع وسط بيئة ليست صديقة وتتحكم في حكمها ثلاثة أطراف لا أحد منها معني بمساعدتها، فالسلطة التي طردت من القطاع تنتظر سقوط التجربة بل وتعمل على ذلك، والقاهرة بالتأكيد ليست معنية بإنجاح نموذج من نماذج الإخوان المسلمين على حدودها لما له من تأثيرات على الداخل المصري، وتقتصر العلاقة مع نظام الحكم في غزة على ما يجنب الأمن القومي المصري أي مشاكل. لكن الجهة الثالثة التي تتحكم بالقطاع هي إسرائيل، فهي من انتظرت هذه اللحظة ليس فقط لتصفي حسابها مع حركة حماس بل لمسح دماغ غزة وجعل هذه المنطقة تندم على اليوم الذي انتجت فيه ثورة وفصائل مثل فتح وحماس والجهاد وما زالت ترفع رأسها، فلتنشغل بالكهرباء والغذاء.
ليس صدفة أن يعيش قطاع غزة نفس الظروف منذ حكم حركة حماس بالرغم من تداول أربعة رؤساء وزراء إسرائيليين أطولهم مدة كان نتنياهو. لكن نفس السياسة لم تختلف مع تغير ائتلافات ووزراء دفاع وأحزاب مختلفة كلها كانت جزءا من ائتلافات، لكن الأمر بيد مؤسسات الأمن القومي والتي عبر عنها نتنياهو في اجتماع مغلق لأهمية الفصل بين غزة والضفة وهو مشروع أصبح معلناً.
حتى أن أكثر حكومات إسرائيل تطرفاً هي الحالية والتي كثفت شروط ضم الضفة والاستيطان والسيطرة في اتفاقياتها لم يرد فيها أي ذكر لغزة ما يشي بأن هناك سياسة مرسومة تحظى بإجماع تديرها جهات تعرف ما الذي تفعله.
وأمام هذا الواقع الذي يزداد صعوبة مع تغيرات المناخ وزيادة عدد السكان وانحسار الموارد الطبيعية تبدو حركة حماس التي وجدت نفسها في هذا الوضع الملتبس أمام خيارات شديدة الصعوبة.
ولأن لا حلول في الأفق ما دام الإسرائيلي مسيطراً فليس أمامها إلا خياران كلاهما شديد الكلفة: إما أن تترك هذا الحكم الثقيل والذي يحتاج إلى إمكانيات تفوق قدراتها المادية أو علاقاتها الخارجية والبيئة الإقليمية حتى لو اضطر الأمر إلى حل السلطة بغزة وإلقائها في وجه العالم والتخلي عن الحكم فليس من العدل أن يدفع الناس ثمن هذا الحكم، أو أن تشرح للناس جذر الأزمة وأسباب استمرارها مستقبلاً وتشركهم في تحمل المسؤولية وتطلب تفهمهم لا أن تصدق أي شيء من الوعود وتعيد ترويجه ما يؤجل الانفجار الذي تتجنبه إسرائيل لذا تُبقي «الرأس فوق الماء»...!