ادّعى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، أن إسرائيل غير معنية بانهيار السلطة الفلسطينية، وأن حكومته ستقدّم تسهيلات لتقوية السلطة ومنعها من الانهيار لأن سقوط السلطة يضرّ بمصالح إسرائيل.
وذكرت وسائل الإعلام أن الرزمة التي ستقدمها إسرائيل تتضمن: إقامة المنطقة الصناعية في ترقوميا، وتطوير حقل الغاز "مارين" قبالة شواطئ غزة، ومرونة في التعاطي مع الديون الفلسطينية، وتخفيض الضريبة على الوقود بنسبة 50%، ومنح السلطة نصف رسوم السفر في معبر الكرامة، بالإضافة إلى زيادة ساعات عمل المعبر، وإعادة بطاقات الـVIP التي صادرتها إسرائيل من بعض الشخصيات الفلسطينية رداً على التوجه للمحاكم الدولية، وأشياء صغيرة أخرى، وذلك بشرط أن توقف السلطة أنشطتها ضد إسرائيل سياسياً وقانونياً، أي توقف توجّهها نحو المنظمات الدولية بما فيها مجلس الأمن ومحكمة الجنايات الدولية ومحكمة العدل الدولية، وغيرها، مثل وقف "التحريض" في وسائل الإعلام والمناهج الدراسية، والتوقف عن دفع رواتب الأسرى والشهداء، ووقف البناء "غير القانوني" في مناطق (ج). وبالتأكيد استمرار التنسيق الأمني، ومواصلة إسرائيل حربها ضد المقاومين الفلسطينيين واجتياحاتها وعدوانها المتواصل.
في الواقع، تلعب إسرائيل لعبة علاقات عامة تجاه الإدارة الأميركية التي تضغط بشدة من أجل إجراءات لمنع انهيار السلطة، فهي تعلن عن أشياء هي بالأساس حقوق وليست تسهيلات؛ فالأموال هي فلسطينية تحصّلها إسرائيل للسلطة بناء على "اتفاق باريس"، وتصادر إسرائيل قسماً منها بحجة قيام السلطة بدفع رواتب الأسرى والشهداء، وتسرق أجزاء أخرى بناء على قرارات المحاكم بتعويض عائلات القتلى الإسرائيليين نتيجة للعمليات الفلسطينية، وخصومات لتسديد ديون إسرائيلية.
والمنطقة الصناعية في ترقوميا تم الاتفاق على إقامتها في العام 2007 بين إسرائيل وتركيا والسلطة الفلسطينية، ولم تنفذ منذ ذلك الوقت. وحقل الغاز فلسطيني، وتطويره يجب ألا يخضع لرغبة أو قرار إسرائيل. أما الأمور الأخرى فهي صغيرة وغير ذات أهمية كبيرة. وبالتالي ما تقول إنها تقدمه لنا -والذي لن يحصل -هو بمثابة إعادة حقوق ولكن جعلها مستحيلة بربطها بشروط تعجيزية لا تقدر عليها السلطة أو غير معنية بتلبيتها.
لا يمكن لأيّ مسؤول فلسطيني أن يقبل فكرة وقف دفع رواتب الأسرى والشهداء، فهذا خط أحمر وطني لا يستطيع أحد أن يقترب منه، كما أن الامتناع عن التوجه للمنظمات الدولية يفقدنا ورقة سياسية ودبلوماسية مهمة، وبالذات في ظل سياسة الحكومة الإسرائيلية التي تريد القضاء على فكرة حلّ الدولتين وضمّ الضفة الغربية وتهويدها. أما ما تقول عنه الحكومة الإسرائيلية إنه تحريض.. فالتحريض الحقيقي الذي تمارسه إسرائيل هو تحريض رسمي يأتي من أعضاء الحكومة والائتلاف الحكومي في البرلمان، وهو خطير ليس فقط بالتنكّر للاتفاقات والمرجعيات الدولية للعملية السياسية، بل هو في كثير من الأحيان دعوة إلى العنف والإرهاب ضد الشعب الفلسطيني. هذا عدا الترانسفير والعدوان وسياسة التطهير العرقي. وبالمناسبة إسرائيل هي من ترفض عقد اللجنة الثلاثية الأمريكية -الفلسطينية -الإسرائيلية الخاصة بمعالجة موضوع التحريض.
وأخيراً هم يريدون وقف البناء الفلسطيني "غير القانوني" في مناطق (ج)، أي يريدون اعترافاً فلسطينياً بأن هذه المناطق ليست فلسطينية ولا حق للشعب الفلسطيني فيها، وأنها إسرائيلية والحق فيها حصري لليهود. وكأن ما تقوم به إسرائيل في هذه المناطق، وفي بقية المناطق، شرعي ويتوافق مع القانون الدولي وليس جرائم حرب حسب ميثاق روما ومبادئ القانون الدولي.
ولو افترضنا أن إسرائيل نفذت هذه الخطوات أو "التسهيلات" وتخلت عن شروطها التعجيزية، هل سيعيد ذلك الأمن المفقود والتدهور الخطير الذي تشهده المنطقة؟ بالتأكيد لن يغيّر الكثير من الواقع؛ لأن السبب الرئيس للتدهور هو السياسة الإسرائيلية، وغياب الأفق السياسي، وفقدان الأمل في التوصل إلى سلام عادل وشامل عبر المفاوضات أو عملية سياسية جادة. فالمواقف الإسرائيلية باتت قائمة ليس على إدارة الصراع كما كانت تفعل الحكومات السابقة، بل على حسم الصراع بقتل حلّ الدولتين من خلال قطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً وقابلة للحياة على الأراضي المحتلة منذ العام 1967، وذلك بتنفيذ المشروع الاستيطاني الذي يقضم الأراضي الفلسطينية ويمزقها، ويحوّلها إلى كانتونات معزولة لا رابط بينها، وعدم رغبة إسرائيل في أي حل ينهي الاحتلال ويحقق ولو عدالة نسبية بالحد الأدنى الذي قبله الفلسطينيون.
الفلسطينيون ليس لديهم أي خيار سوى رفض "التسهيلات" الملغومة، والإصرار على إعادة الحقوق الواضحة دون شروط، وفتح الطريق أمام ممارسة الشعب الفلسطيني حقه في تقرير المصير وإقامة دولته المستقلة. غير ذلك لا يعدو عن كونه حلولاً جزئية وهامشية، أو مناورات كاذبة لمحاولة التنصل من المسؤولية عن ذهاب الوضع إلى المواجهة الشاملة، وهو الخيار الأقرب للواقع. والمناورة الإسرائيلية بحاجة لفضح، وبحاجة لردّ وطني فلسطيني يعيد توحيد الوطن والقيادة؛ حتى لا تظل إسرائيل تتلاعب بنا بالحديث الكاذب عن "تسهيلات" لغزة وتسهيلات للضفة. وهي في الحقيقة تقضي على حلمنا وتطلعاتنا.