- 11شهيدًا في قصف الاحتلال مركبةً وتجمعًا للمواطنين أثناء استلام الدقيق في منطقة قيزان النجار جنوبي مدينة خان يونس
"هندسة الاحتلال، أرشيف حكومة إسرائيل عام 1967"، جديد الكاتب والباحث عليان الهندي، صدر في 2022 عن مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية، ويتناول الكتاب بصورة خاصة الوثائق الإسرائيلية التي صدرت عن الحكومة قبيل وإبان وبعد حرب العام 1967، والتي سموها حرب الأيام الستة.
فبعد خمسين عاماً من الحرب أفرجت الحكومة الإسرائيلية عن وثائقها، والتي بلغت نحو 150 ألف وثيقة، تركز معظمها على جلسات الحكومة ومداولات صناع القرار في ذلك الحين، سواء بشأن قرار خوض الحرب، والاستعدادات لها، ومجرياتها، والأفكار والمشاريع والمقترحات التي تم طرحها في كيفية التعامل مع نتائج الحرب، وخاصة القرارات المتعلقة بالأراضي المحتلة، أو بالسكان المقيمين فوقها، وكيفية تعاطي إسرائيل مع الدول العربية، ومستقبل الصراع وشكل التسوية المقبولة، والمشاريع والقرارات الدولية ذات الصلة.
لكن إسرائيل رفضت الإفراج عن وثائق تتعلق ببعض جلسات الحكومة المنعقدة في شهر حزيران 1967، والوثائق المتعلقة ببعض مزودي المعلومات الاستخبارية، وما يتعلق بملف الأسرى العرب الذين أعدمت الآلاف منهم، وهذه صُنفت تحت بند "سري جداً".
الكاتب مختص بالشأن الإسرائيلي، وقد أصدر العديد من الكتب والدراسات عن إسرائيل والصهيونية، كما أنه يجيد العبرية، لذا فقد ترجم أيضاً العديد من الكتب المتعلقة بقضايا الصراع والحل النهائي.
وتكمن أهمية الكتاب في عرضه لوثائق بالغة الأهمية يُفرج عنها لأول مرة، تكشف النقاب عن الكثير من الملابسات التي أحاطت بالحرب التي غيرت وجه المنطقة ومجريات الصراع، رغم أن مضمونها بات معروفاً بحكم الأحداث وتطوراتها، وصارت جزءا من تاريخ الصراع في المنطقة، إلا أن كشف الوثائق بحد ذاته يبدد أي غموض، ويرجح الرواية الصحيحة، وينفي الكثير من الأخبار والمبالغات والتأويلات التي تحدثت عن النكسة، ويكشف عن العقل الإسرائيلي وطرائق تفكيره، والتباينات والفروقات الكبيرة في وجهات النظر بين صناع القرار، بل ويبين بوضوح من هم صناع القرار آنذاك.
اللافت للنظر أنّ الكاتب لا يعلق على الوثائق، ولا يبدي رأيه الشخصي بها، مكتفياً بعرضها، تاركاً للقارئ حرية التأويل والفهم، خاصة أنّ الوثائق تتحدث عن نفسها بوضوح، ولا تحتاج فلسفة. وهذا لأنه كتاب توثيقي بنهج أكاديمي صارم ويمكن القول إنه موجه للباحثين المختصين بالدراسات الإسرائيلية ومراكز الأبحاث، وصناع القرار (إذا أرادوا أخذ العبر) ومع ذلك يمكن لكل قارئ أن يستفيد منه.
يقع الكتاب في 214 صفحة، ويتكون من ثمانية فصول وخاتمة. في مستهل الكتاب يتحدث عن تركيبة الحكومة الإسرائيلية التي كانت إبان النكسة، موضحاً أنها الحكومة الأكثر تشدداً وتطرفاً في تاريخ إسرائيل، وكانت الأقوى، حيث تمتعت بأغلبية مريحة جداً بلغت 108 أعضاء، وهو أمر لم يتكرر بعدها.
سيتضح لنا أنَّ رئيس الحكومة آنذاك "ليفي أشكول" كان شخصية مترددة، وضعيفة، رغم أنه كان أكثر تطرفاً من مناحيم بيغن، وأن بعض الوزراء كانوا مغيبين عن المشهد إلى حد ما، وأن صناع القرار الحقيقيين حينها كانوا الجنرالات، وتحديداً موشيه دايان، وإسحاق رابين وعيزر وايزمان.
في الفصل الأول يتناول الكاتب أجواء ما قبل الحرب، واصفاً إياها بأجواء التسخين، حيث كانت الجبهات مع إسرائيل تشهد تصاعداً عسكرياً، فيما كان الجيش الإسرائيلي يعد جيداً للحرب، وقد اتضح أن مسألة إغلاق مضائق تيران ما كانت سوى حجة واهية لاندلاع الحرب، حيث كانت إسرائيل تخطط لها منذ زمن بعيد، بهدف استكمال احتلال بقية فلسطين، والسيطرة على منابع الليطاني ومرتفعات الجولان. مع أن الخطاب الإسرائيلي نجح في تمرير خدعته بأنها حرب دفاعية.
قبيل الحرب تصاعد التوتر على الجبهة الأردنية (مذبحة السموع) بعد تكثيف العمليات الفدائية من قبل مقاتلي فتح، مع أن تحركات الجيش الأردني بقيت كما هي، فيما شهدت الجبهتان السورية والمصرية توتراً، ما دفع بمصر إلى إرسال تعزيزات عسكرية إلى سيناء قوامها 20 ألف جندي، إضافة إلى 60 ألف جندي كانوا متواجدين هناك أصلا، مع 600 دبابة.
أما في غزة فقد كان فيها نحو 6 آلاف مقاتل فلسطيني بأسلحة خفيفة، دون تواجد للقوات المصرية. فيما أرسلت سورية تعزيزات بحدود الـ40 ألف جندي مع 400 دبابة.
أما الجيش الإسرائيلي فأعلن الاستنفار العام وجند 80 ألف جندي، مع 500 دبابة، مع استعداد لاستنفار نحو 250 ألف جندي احتياط من ضمنهم 180 ألف جندي نظامي.
فيما تخلى رئيس الحكومة عن حقيبة الدفاع للجنرال موشيه دايان قبل الحرب بيومين، وأعلنت إسرائيل أن اقتصادها اقتصاد حرب. وترك قرار تحديد ساعة الصفر لرئيس الأركان رابين.
الغريب أن الدول العربية كانت على علم بحتمية وقوع الحرب، خاصة أن أجواء الحرب كانت واضحة للعيان، ومع ذلك، تفاجأت الجيوش العربية بالهجوم الإسرائيلي، وبدأت تنهار بسرعة غير متوقعة، تاركة مواقعها بسهولة وبانسحابات مهينة.
وفي اليوم الثالث من الحرب أعلن رابين احتلال كامل الضفة الغربية وقطاع غزة، وفي الأيام التالية استكملت إسرائيل احتلالها لمرتفعات الجولان وسيناء، وقد كانت حصيلة العدوان عشرات آلاف القتلى العرب، وتدمير مئات الدبابات والطائرات، فيما خسرت إسرائيل نحو 800 قتيل، وتدمير 70 دبابة.
في الفصول التالية يستعرض الكاتب مجريات الحرب وتطورات الأحداث، ثم مداولات القادة الإسرائيليين بشأن مستقبل الضفة وغزة، وأهم المشاريع السياسية التي حاولت استيعاب نتائج الحرب، والمأزق الجديد الذي وضعت إسرائيل نفسها فيه، والمتمثل في كيفية التعامل مع ملايين الفلسطينيين الذي رفضوا الخروج من أرضهم هذه المرة. وجدير بالذكر أن جميع القرارات والمشاريع الإسرائيلية تنطلق من مشروعين أساسيين: مشروع آلون، ومشروع دايان، والهدف واحد: ترانسفير بطيء، ضم زاحف، حكم ذاتي، إبقاء السيطرة بيد إسرائيل، المماطلة وكسب الوقت وفرض الوقائع على الأرض.
لا يتسع المقام هنا لذكر المزيد مما تضمنه الكتاب، بيد أن هناك وثائق وإن مر عليها الكتاب سريعاً، إلا أنها تحتاج إلى جلسة تأمل، منها مثلاً: "جمع الجيش الإسرائيلي 4 قطع سلاح من مدينة نابلس، كانت بحوزة بعض المقاتلين". "الذين عبروا الجسر وقعوا على وثيقة مفادها أنهم خرجوا بمحض إرادتهم". "بعض وجهاء العشائر قرروا التعاون مع سلطات الاحتلال". "استولت إسرائيل على 20 ألف طن ذخائر، و3 ملايين رصاصة".
مع أن الحرب كانت هزيمة منكرة للأنظمة العربية، إلا أن لها أوجهاً أخرى، وقد خلقت مسارات سياسية جديدة غير متوقعة: توحيد فلسطين وبعث الوطنية الفلسطينية، تعميق مأزق إسرائيل، وبداية نهاية سيطرة الأشكناز، وصعود اليمين الديني والقومي الصهيوني.. والكثير الكثير مما يمكن قوله.