سافر وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، إلى السودان، الشهر الماضي، في أول زيارة أميركية رفيعة المستوى لتلك الدولة منذ 15 عاماً، ولم يكن هدفه الرئيسي السودان، ولا العقوبات الأميركية عليه، أو حتى التحول الديمقراطي للدولة عقب عقود من الاستبداد. بل كان هدفه إسرائيل، وفقاً لرواية 3 أشخاص اطلعوا على الزيارة.
وخلال اجتماع خاص للخروج بتفاصيل صفقة لرفع السودان عن القائمة الأميركية للدول الراعية للإرهاب، دفع بومبيو رئيس الوزراء السوداني، عبد الله حمدوك، دون مقدمات للاتصال برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وبدء تطبيع العلاقات بين البلدين. وقال بومبيو، إنَّ هذه المبادرة ستُسهّل عليه إقناع الكونغرس بشطب السودان من قائمة الإرهاب. وقال أحد الأشخاص المطلعين على الاجتماع: «كل فرد من الجانب السوداني فَغَر فاه من الدهشة».
لكن حمدوك، بوضعه غير المستقر على رأس حكومة انتقالية هشة، رفض عرض بومبيو، موضحاً أنه لا يملك صلاحية اتخاذ مثل هذه الخطوة المهمة، بالرغم من أنه حصل على تعهد أميركي أولي برفع السودان من قائمة الإرهاب على أي حال. وحاول بومبيو في وقت لاحق مرة أخرى مع جنرال كبير في الجيش السوداني، لكنه رفض أيضاً، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر.
وكانت زيارة بومبيو للخرطوم واحدة من عدة زيارات للعواصم العربية، الشهر الماضي، تهدف إلى تعزيز الدعم لما أصبح إحدى قصص النجاح القليلة الملموسة في السياسة الخارجية لإدارة ترامب: تطبيع العلاقات بين الإمارات العربية المتحدة وإسرائيل. ومن المقرر إبرام الاتفاقية الرسمية لهذا التقارب الدبلوماسي في احتفال بالبيت الأبيض يوم 15 أيلول الجاري، ولن يكون الوحيد.
إذ أعلن الرئيس دونالد ترامب، في تغريدة على «تويتر» يوم الجمعة الماضي، أنَّ البحرين وافقت أيضاً على تدشين علاقات دبلوماسية كاملة مع إسرائيل؛ ما يمثل «ضربة ناجحة مزدوجة» لترامب بعد ربع قرن من آخر تطبيع لدولة عربية مع إسرائيل. وتمثل هذه الخطوة تراجعاً عن موقف المملكة الخليجية الصغيرة السابق - موطن الأسطول الخامس للبحرية الأميركية - عندما قال العاهل البحريني، حمد بن عيسى سلمان آل خليفة، بعد اجتماع مع بومبيو، الشهر الماضي، إنَّ بلاده لا تزال تطالب إسرائيل بالانسحاب الكامل من الأراضي الفلسطينية مقابل اعترافه بإسرائيل.
الورقة الرابحة لترامب
وبالنسبة لإدارة ترامب، أصبحت هذه الاتفاقيات مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بحملة إعادة انتخاب الرئيس. إذ تُشكِّل نجاحاً ملموساً في السياسة الخارجية بعد تعثر جهود الإدارة الكبيرة الأخرى في السياسة الخارجية، سواء أكانت خطة سلام في الشرق الأوسط محكوما عليها بالفشل، أو تقليص طموحات كوريا الشمالية النووية، أو تغيير سلوك الصين الجائر، أو احتواء برنامج إيران النووي.
وفي هذا السياق، قال حسين إيبش، الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربي، وهو مركز أبحاث مقره واشنطن يتلقى بعض التمويل من الإمارات، يمكن لترامب أن يجادل بأنَّ دبلوماسيته الشخصية والمعاملات قد حققت «ما لا تستطيعون فعله أيها المهنيون الأغبياء» على حد قول ترامب. وأكد إيبش، «وهذا صحيح. لقد نجحت في هذا الملف، لكن لم تنجح على أي صعيد آخر».
وأصبحت إسرائيل عنصراً مساعداً للدبلوماسية الأميركية، وليس فقط في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك جزءاً من جهود الإدارة لتعزيز جاذبيتها الانتخابية بين الإنجيليين الأميركيين قبل انتخابات شديدة المنافسة. إذ تضمنت جهود إدارة ترامب للتوسط في المفاوضات بين صربيا وكوسوفو بنداً يقضي بأن تنقل بلغراد سفارتها في إسرائيل من تل أبيب إلى القدس، كما فعلت الولايات المتحدة، على الرغم من أنَّ التقارير الإعلامية تشير إلى أنَّ الرئيس الصربي ألكسندر فوتشيتش لن يتخذ تلك الخطوة إذا اعترفت إسرائيل بكوسوفو.
السعودية.. «الجائزة الكبرى»
وبالرغم من انضمام البحرين للموكب - بعد رضاء شبه مؤكد من السعودية - فلا يعني هذا بالضرورة أنَّ الجائزة الكبرى على الإطلاق، وهي المملكة العربية السعودية، ستكون التالية في صف الاعتراف بإسرائيل. وقد ألمح ترامب، في إعلانه عن تحرك البحرين للتطبيع يوم الجمعة الماضي، إلى أنَّ الرياض لن تتخلف بعيداً عن الركب. وكانت المملكة العربية السعودية، التي تقول إنها تتعرض لتهديد متزايد من إيران، قد تقاربت سراً مع إسرائيل في السنوات الأخيرة.
وقال ترامب، في تصريحات مقتضبة للمكتب البيضاوي، يوم الجمعة الماضي، بعد أن نشر البيان المشترك على «تويتر»، «نعتقد أنَّ معظم الدول ستنضم (للتطبيع) في النهاية، وسيكون الفلسطينيون في وضع جيد للغاية.. سيرغبون في الانضمام (لهذه التحركات) لأنَّ جميع أصدقائهم موجودون»، في إشارة إلى الدول العربية الأخرى.
لكن من جانبها، قالت باربرا ليف، الدبلوماسية التي عملت سفيرة لدى دولة الإمارات من 2014 إلى 2018، إنَّ فرص سير السعوديين على خطى الإمارات والاعتراف بإسرائيل على المدى القريب «ضئيلة، إن لم تكن معدومة». وأوضحت أنَّ السبب في ذلك هو أنَّ العاهل السعودي، الملك سلمان، هو من ترأس جهود مبادرة السلام العربية، التي تعهدت «بعلاقات دبلوماسية وطبيعية كاملة» بين الحكومات العربية وإسرائيل مقابل «اتفاق سلام شامل» مع الفلسطينيين، وهو ما لم يتحقق بعد.
وقال نوفيك، زميل باحث في منتدى السياسات الإسرائيلية في نيويورك، «ما دام الملك سلمان هو من يتخذ القرارات، فلن يحدث ذلك»، في إشارة لإعلان السعودية التطبيع مع إسرائيل. وسبق أن وصف نوفيك قرار الإمارات بتطبيع العلاقات مع إسرائيل بأنه «انحراف عن مبادرة السلام العربية. فلم يعد التطبيع هو الجائزة المنتظرة في نهاية عملية السلام. لقد تصرفت الإمارات بطيش».
تفتت الإجماع العربي
على الجانب الآخر، يقترح خبراء في شؤون الشرق الأوسط رأياً مغايراً. وغرَّد آرون ديفيد ميللر، المحلل السابق في وزارة الخارجية المعني بعملية السلام في الشرق الأوسط، قائلاً، «السعودية أعطت الضوء الأخضر لهذا». الإجماع العربي على فلسطين - هذا إن كان هناك إجماعٌ - آخذ في التفتت. ستتمسك الدول العربية اسمياً بمبادرة السلام للعام 2002 بينما سيعمل بعضهم على ترتيباتهم الخاصة مع إسرائيل».
بيد أنَّ القرارات المتتالية للاعتراف بإسرائيل أثارت غضباً فورياً من الجانب الفلسطيني الذي يشعر بالفعل بأنه نُبِذ من قبل ترامب. ووصفت السلطة الفلسطينية، يوم الجمعة الماضي، تطبيع العلاقات بين البحرين وإسرائيل بأنه «خيانة للقدس والمسجد الأقصى والقضية الفلسطينية»، وسحبت سفيرها من المنامة، بعد أن أعلنت في وقت سابق أنها ستقيل مبعوثها لدى الإمارات.
«هذه ليست اتفاقات سلام»
وبينما يحرص ترامب وإدارته على الترويج للاتفاق بين إسرائيل والإمارات على أنه طفرة في تحقيق السلام، لم يخُض البلدان حرباً قط - على عكس اتفاقيتي السلام السابقتين لإسرائيل مع مصر في العام 1979 والأردن في العام 1994
وكتبت إيمي هوثورن، نائب مدير الأبحاث في منظمة «مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط» الأميركية، في تغريدة: «تأكيداً لما هو واضح: موضوع السلام في الشرق الأوسط الذي روّج له ترامب وكوشنر والاتفاق الإماراتي - الإسرائيلي منفصلان عن الواقع بالنظر إلى أنَّ الدولتين لم تخوضا حرباً قط، والاتفاقية لا تُسهِم بشيء لإنهاء حروب الشرق الأوسط» .
عن «فورين بوليسي»