في تشرين الثاني المقبل، ستتطلع عيون العالم كله الى الانتخابات الرئاسية الأميركية، وفي الوقت ذاته تماما تحت أنوفنا سينتهي سباق آخر مليء بالشجون والمصالح، وستكون له آثار كبرى على إسرائيل: الانتخابات لرئاسة المكتب السياسي لـ»حماس».
في الانتخابات، التي ستجري الى جانب الانتخابات الداخلية لمؤسسات «حماس»، سيتنافس رئيس المكتب الحالي، اسماعيل هنية، وسلفه في المنصب، خالد مشعل، وزعيم «حماس» في قطاع غزة، يحيى السنوار. يوجد احتمال ليهرع الى الساحة ايضا نائب هنية، صالح العاروري.
في خلفية الانتخابات يجري صراع بين ايران، وتركيا، وقطر، وكذا تلعب مصر دورا في الدراما. ولكن كي نفهم موازين القوى ينبغي ان نذهب تسع سنوات الى الوراء. الحرب الاهلية في سورية، التي نشبت في آذار 2011، وضعت قيادة «حماس» برئاسة خالد مشعل، التي كانت في دمشق، أمام معضلة: أراد مشعل أن يعرض حيادية، وقد طلب الاسد منه التأييد. وحلت المشكلة عندما اضطر مشعل الى مغادرة سورية، ونقل نشاطه الى الدوحة عاصمة قطر. «بهذه الخطوة فك مشعل ارتباطه بسورية وايران، وارتبط بمحور تركيا وقطر»، يشرح يوني بن مناحم، الباحث الكبير في المركز المقدسي للشؤون العامة والسياسية. وجاءت الأزمة الثانية لمشعل في حملة «الجرف الصامد» في 2014، عندما تنازع مع الذراع العسكرية، ولا سيما مع يحيى السنوار ومحمد ضيف.
حتى قبل الأزمة مع الأسد، اقترب مشعل من تركيا. في 2006 حرص احمد داود اوغلو، مستشار رجب طيب اردوغان للشؤون الخارجية، على فتح الباب امام مشعل حين زار مقر حزب العدالة والتنمية. وبعد ست سنوات من ذلك خرجت العلاقات مع اردوغان «الى النور»: فقد خطب مشعل في مناسبة احياء عقد على الحزب. كل هذه الاحداث والعديد من الزيارات التالية عمقت العلاقات بين تركيا و»حماس».
«تتعامل تركيا مع (حماس) كجهة شرعية في نظرها لأنها برأيها انتخبت في انتخابات ديمقراطية»، يقول د. حي ايتان كوهن ينروجيك، باحث في شؤون تركيا الحديثة في معهد القدس للاستراتيجية والامن وفي جامعة تل أبيب. «يرى اردوغان في منظومة العلاقات مع (حماس) السبيل ليظهر نفسه مسلما طيبا يحرص على المظلومين».
غير أن توثيق العلاقات مع أنقرة لم يكن كافيا لمشعل. وفي الانتخابات السابقة لرئاسة المكتب السياسي حلّ مكانه اسماعيل هنية. ويشير بن مناحم الى أن «الذراع العسكرية المرتبطة بايران هي التي أدت الى انتصار هنية وتنصيب يحيى السنوار في منصب زعيم (حماس) في القطاع. كما أن الانتخابات السابقة ادت الى اعادة مركز القيادة الى (حماس) في غزة، لاول مرة منذ تصفية الشيخ احمد ياسين».
وعندها جاء اغتيال قاسم سليماني، قائد قوة القدس في الحرس الثوري، في 3 كانون الثاني من هذا العام. ولم يخدم هنية حقا. فقد خرج من القطاع قبل التصفية كي يبدأ بحملة الانتخابات، في ظل التعهد لمصر ألا يزور إيران. ومع ذلك، اختار هنية أن يصل الى طهران لحضور جنازة سليماني، بل قال هناك اثناء خطابه ان «سليماني هو شهيد القدس». منذئذ وحتى اليوم، تغضب عليه القاهرة وترفض السماح له بالعودة الى القطاع. قبل اسبوعين لم يسمح المصريون حتى لزوجته ولابنتيه وزوجيهما بالانتقال الى قطر كي يجتمعا مع هنية الأب.
من تمكن في هذه الفترة من رفع اسهمه في نظر الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي هو السنوار الذي لا يتمتع بالقدرات الاستراتيجية لمشعل وبالخطابية المؤثرة لهنية، ولكن يعرف كيف يستغل الاوضاع القائمة. ويقول بن مناحم، انه «يحرص على تطوير العلاقات مع المسؤولين المصريين. وقرر فك الارتباط عن (داعش) في سيناء وحصل على فتح معبر رفح. كما أنه ابو أفكار مسيرات العودة والبالونات الحارقة».
«وبينما يهتم السنوار بقطاع غزة ويتلقى ايضا التأييد من الذراع العسكرية يوجد هنية ومشعل في (سباق) لتحصيل الاصوات من الشتات الفلسطيني في الخليج الفارسي وفي لبنان. اما هنية، بخلاف مشعل، فيكسب الكثير من العلاقات العامة في هذا النشاط. فقد التقى في 22 آب بالرئيس التركي اردوغان في قصره في اسطنبول. فقد تلقى منه ملايين الدولارات نقدا، وابتداء من الاسبوع الماضي يتجول في لبنان ويوزع المال. «كل مال يبعث به اردوغان تبرعا، هدفه أسر قلوب الشعوب المظلومة بحيث ترى فيه (الاخ الاكبر)»، يشرح د. كوهن ينروجيك. في اثناء زيارته الى لبنان لم يحرص هنية فقط على القاء الخطب في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، بل روج لنفسه ايضا في محور الارهاب الشيعي عبر لقاء مع امين عام «حزب الله»، حسن نصر الله، في مكتبه في بيروت. وجاء اللقاء على خلفية التهدئة التي حصل عليها السنوار في غزة واثبتت مرة اخرى من هو الزعيم في القطاع: فقد توصل الى اتفاق مع إسرائيل بتنسيق قطري دون اطلاع هنية.
وماذا بالنسبة لأعمال المنظمة في ارجاء العالم؟ «هوية المنتخب لا يفترض أن تؤثر على فروع (حماس) ونشاطاتها في اماكن بعيدة مثل اليمن، حيث يوجد ما لا يقل عن ثلاثة ممثلين لدى المتمردين الحوثيين»، يوضح د. ميخائيل براك، باحث كبير في المعهد الدولي للسياسة ضد الارهاب في المركز متعدد المجالات، «من غير المستبعد ان يكون هناك ايضا مسؤولون في الذراع العسكرية جاؤوا للتعرف على قدرات الحوثيين».
مشكلة عسكرية اخرى لإسرائيل مع «حماس» هي نشاط المنظمة في ماليزيا. ويشدد د. براك فيقول، ان «الذراع العسكرية لـ(حماس) تتعاظم هناك حيث توجد معسكرات تدريب تعمل، اليوم، ايضا بعد نحو سنتين ونصف السنة من تصفية المهندس فادي البطش هناك».
مسألة مهمة اخرى ستكون انتخابات مجلس الشورى، الذي من مسؤوليته ان يقرر بالإجماع القرارات الاستراتيجية. ويشير بن مناحم الى أن «انتخاب السنوار لرئاسة المكتب السياسي سيعيد مركز القيادة الى القطاع». كما سيؤدي انتخابه الى انتخاب زعيم «حماس» جديد لقطاع غزة نفسه.
وما هو الوضع في السباق، تسألون؟ من الصعب التقدير، وذلك لعدة اسباب: لا توجد قائمة مرشحين مرتبة، لا يوجد سجل ناخبين يسمح للجمهور الفلسطيني بمعرفة المقترعين، ولا يوجد موعد معلن من «حماس». عمليا، مجلس الشورى يجتمع بشكل سري في موعد سري وعملية الانتخاب كلها تجري في مكان سري وبالخفاء على نحو متشدد. أما هوية المنتخب فيكشفها المجلس في بيان رسمي، ولا مجال للاستئناف عليها.
عن «إسرائيل اليوم»