مُرافعة فنّية تبرئ حشائش فلسطين من اتهامات الانتداب البريطاني
نشر بتاريخ: 2020/09/03 (آخر تحديث: 2025/12/16 الساعة: 16:57)

ثلاثة وثلاثون فنّاناً خرجوا بثلاثة وثلاثين عملاً فنياً متعددة الرؤى والتقنيّات والأبعاد، تقاوم بمجموعها فعل الهيمنة الاستعمارية على ثلاثة وثلاثين من حشائش ونباتات فلسطين، كانت سلطات الانتداب البريطاني، سعت، ومع سابق إصرار وترصّد، إلى إعدامها، في فعل كولونيالي ليس تجاه البيئة فحسب، بل ضد الثقافة والتاريخ في فلسطين ذلك الوقت.

وتحت عنوان "الهيمنة على الحشائش"، اجتمع الفنّانون والفنّانات من كامل الجغرافيا الفلسطينية وخارجها، عبر أعمالهم، داخل القاعة الرئيسة بمقر مؤسسة عبد المحسن القطان في رام الله، في أعمال كانت عابرة للأجيال، علاوة على تنويعاتها الفنية أشكالاً ومضامين، قدم كل منهم رؤيته في بذرة لحشيشة أو نبتة فلسطينية اتهمتها سلطات الانتداب البريطاني، زوراً وبهتاناً، بتهم متعددة بغية التخلص منها.

هناك أعمال اتخذت طابعاً شخصياً كعمل "أبجدية جديدة: رسالة حب إلى حبيبي" للفنانة ألكسندرا صوفيا حنظل وعمل "تعويذة" للفنانة فيرا تماري، وأخرى حملت رسائل سياسية كعمل "فليكن هناك نهاية" للفنان خالد جرار، أو "استعادة الاعتيادي: إشارات نحو الافتتان" للفنانة ميرا بامية أو "مسافة الصرخة المسموعة" للفنانة إيناس حلبي، أو ما يتعلق بالذاكرة المتوارثة كعمل "غزال" للفنانة ديما حوراني، ومنها ما يربط بين العشبة أو النبتة وما بين الجسد كما في عمل الفنانة جمانة إيميل عبّود "بذرة الخيميائي" أو "من أنا" للفنانة علا زيتون، و"نقاط التقاء" للفنان ناصر السومي، على سبيل المثال لا الحصر.

ويقوم معرض "الهيمنة على الحشائش"، وفق قيّمه الفنان يزيد عنان، على وثيقة تعود إلى حقبة الانتداب البريطاني على فلسطين تحمل العنوان ذاته، تتحدث عن ثلاث وثلاثين نبتة "من بين الأكثر شيوعاً كنباتات ضارّة"، كما وصفتها الدوائر البريطانية المختصة، آنذاك، لنكتشف أن الهدف كان البحث عن طرق، بينها إيجاد مواد كيميائية للقضاء على هذه النباتات، لغرض زيادة محصول القمح، وكان أساسياً لاستمرارية الانتداب على فلسطين، لا سيما ما يتعلق بإطعام الجيش البريطاني خبزاً بالأساس.

ففي السادس عشر من كانون الثاني العام 1940 وصفتْ رسالة وُجهت إلى "السيد مايسون"، كبير الموظفين الزراعيين في إدارة الزراعة والثروة السمكية إبّان الانتداب البريطاني للقدس، معرضاً غريباً للأعشاب الضارّة والبذور متنقلاً في أنحاء فلسطين، مُرفقاً بمحاضرات تتعلق بطرق مكافحة هذه الأعشاب، التي وصفها البريطانيون بـ"الضارة".

ولفت عناني إلى أن جزءاً من هذه المراسلات كان من سكان الريف الفلسطينيين، ومن مزارعين ينتمون للمهاجرين اليهود ممن استعمروا فلسطين في تلك الفترة، حول التخلص من مثل هذه النباتات، وهناك مراسلات مع شركة أمبيريال للصناعات الكيميائية في لندن، بغرض إيجاد مواد كيميائية مبيدة للأعشاب، فيما كان جزء ثالث من هذه المراسلات يتحدث عن معرض متنقل لثلاث وثلاثين نبتة أيضاً، تم توثيقها في ملصق داخل هذا الملف، ويحوي صوراً لثلاث وثلاثين بذرة لهذه النباتات، قمنا نحن في مؤسسة عبد المحسن القطان بتوزيعها على ثلاثة وثلاثين فناناً للخروج منها بأعمال فنيّة، بهدف دحض الرواية الكولونيالية البريطانية.

وشدد عناني على أن هذه النباتات "كانت جزءاً أصيلاً وأساسياً من يوميات الشعب الفلسطيني، سواء فيما يتعلق بالأكل، أو الطب الشعبي، أو التجميل، أو التنظيف، أو الصباغة، أو حتى صناعة الحجب، إلا أنها وبعد عملية الإقصاء البريطانية لها باتت غريبة عن الذاكرة الفلسطينية، وتختفي شيئاً فشيئاً، فالأجيال الشابة لا تستطيع التعرف عليها".

وأكد قيّم "الهيمنة على الحشائش" أن أهمية المعرض تكمن في "إعادة العلاقة مع الغطاء النباتي الفلسطيني، باعتبار كافة النباتات جزءاً من الهوية الثقافية الفلسطينية، وليس فقط الأشجار التي باتت تعتبر كرموز فلسطينية كالزيتون والبرتقال والعكوب وغيرها.. لهذه النباتات التي عمدت سلطات الانتداب البريطاني إلى إقصائها، دور مهم وأساسي كجزء من التاريخ والفلكلور والثقافة المتوارثة عن أجدادنا، وهذا ما انعكس في شكل أعمال فنية مثيرة في الاشتباك مع هذه النباتات والخروج بأعمال فنية شكلت بمجموعها هذا المعرض.