العولمة سبب كل ما حدث ويحدث من غرائب على العقل هذه الأيام
نشر بتاريخ: 2020/08/28 (آخر تحديث: 2025/12/17 الساعة: 00:04)

في كل مقال له، ومنذ عام تقريباً، يطرح فيه صديقي اللواء منذر إرشيد، أن الزلزال قادم، متعجبا من سلوك البشر في فلسطين، وأحداث الدنيا، وهذه المتغيرات غير المسبوقة.

يتعجب بألم على السلوكيات الجديدة الأغرب، وتلك التحولات التي لا تخطر على بال في سلوك الناس والدول، ولذلك هو يدعو لإصلاح حال الناس، ويهددهم في كتاباته بالزلزال القادم، ويصف أعراض وعلامات الظاهرة والعقاب، دون تفسير علمي لها، وأن كثيرا مما يحدث من غرائب، هو يستهجنها، ولديه قناعة بأن ما يحدث سيكون عقابه زلزالا كبيرا مدمرا، حربياً كان، أو، بيئياً، أو، سياسياً، أو، أياً كان نوعه.

 المهم هو يقصد ضربة كبرى تغير التاريخ والواقع، ويدعم في الغالب مقاله ببعض الآيات، وهذا جميل، وبه قوة طرح، تجد قبولا في مجتمعاتنا العربية، لأنها تخلى عنهم المسؤولية ومهمة التغيير والفعل المطلوب، عنهم.

 كم أنا حزين على تعليقات كثيرة العدد، ومدى هشاشة، وعي الناس، وحتى المثقفين منهم، وطبعا بعض المسؤولين، وحالة هروبهم للقدر، وعجزهم عن الفهم، ليس إيماناً، بل هو استسلاما تاما في انتظار غضب السماء لتغيير الحال، وكأنهم استنفذوا كل اجتهاداتهم، دون أن نرى لهم ثورة على واقع الحكام أو الاحتلال كمحاولة منهم، لتغيير واقعهم المزري وحال الشعب الفلسطيني المتدهور، وكأنهم فقدوا الأمل والعمل، حيث لا يعقلونها وتوكلوا على قدرهم، أبكي والله على حال هذا الشعب المسكين،الذي لا يسمع الكلام، وزاد اضطهاد حكامه، وأصبح كأنه ليس لديه إمكانية أن يفكر أبعد من قدميه، حيث الهَمُ المحيط به كبير جداً.

تعالوا نرى تفسيري لما يراه اللواء في دعوته أو تصوره الحل، هو، والناس، من تغيرات سلبية على بعضهم، من حروب، وسوء سلوك؛ وتآكل النظرة الإنسانية بين البشر والكذب والنفاق والفساد والتكالب على كل شيء دون وازع أخلاقي أو قيمي أو ديني.

 تفسيري هو باختصار شديد، ويمكنني التوسع كثيراً، ولكن لكي لا يضيع القارئ في التفاصيل :

إليكم تفسيري العلمي لما نحن والبشرية فيه الآن من غرائب، وهي بضاعتنا وسلوكنا كبشر، دون أن يعرف الكثيرين السبب، رغم ما يرونه ويشعرون به....

السبب، انتصار الرأسمالية، ومركزة رأس المال، وهو التعريف الاقتصادي للعولمة، هو من حول العالم لهذه الحالة المستهجنة والغريبة في كل شيء

نعم، بتعميم النظام الرأسمالي الذي يطلق عليه العولمة نتاجه، تغير الإنسان أي إنسان، وظهرت أعراض ثنائية "تضخم الأنا وفراغ العين" وهذا الوصف ببسيط الكلام أذكره لتقريب الفهم للجميع، وهو الأنانية والجشع.

ولذلك ترى الكل يجري ما يدري، وهو سبب علمي ليس له علاقة باللاهوت، وهو واضح لو فكر الإنسان المطلع فكريا وثقافياً عليه، سيستنتج ذلك.

الفقير بسبب شراسة العولمة والغني بسبب حرية السوق وحرية التجارة، كليهما، أي الفقير والغني هم أصبحا في حالة كَلَب وهَمٍ، يعني الإنسان أصبح (مكلوب ومهموم)، على كل شيء، فالمفقور يريد تحسين وضعه الذي انهار بسبب العولمة، والغني يريد زيادة الثروة الذي أتاحته العولمة، وبين الهمين تتسارع الأيام دون لذة وانبساط وارتياح لكليهما.

 ببساطة أوضح، كان الناس قبل العولمة الجميع يأكل، فمن يأكل أكلة مميزة، مثلا، يظل يتذكر فيها ومعه الآخرين شهوراً، أو من يذهب في سفرة يبقى يذكرها بفخر لأعوام .. الآن من معه مال، يصل به الإنسان لآخر ما يتمناه من لذة الحياة وانبساطه، وثاني يوم مباشرة يبحث عن شيء آخر، وينسى الأول، لأنه لم يشبع، ومن ليس معه يبقى يحاول سد حاجته وأسرته بالكاد ليومه، وغداً يبدأ رحلة عذاب أخرى في البحث عن لقمة عيش كريمة، وكلاهما مهموم وفي حالة طوارئ طوال الوقت سواء المستمتع الغني أو المقهور الكحيان.

كما قلت في البدء ثنائية "تضخم في الأنا وفراغ في العين" ... وبينهما تكمن السلوكيات والتغييرات الغريبة على البشر، وهي حالة عامة للبشرية، وليس نحن فقط، ولكنها تزداد حدة وظلم اجتماعي بسبب عدم تحررنا.

 لقد تغير العالم،  وتستغرب كيف يتخلى الناس عن بعضهم بسهولة، وكيف يصبحون أعداءاً في دقائق ... تضخم الذات بالبلدي لمن لم يطلع على آثار العولمة أي تلك الآثار السلبية في نظر الفقراء، والإيجابية في نظر الموسرين، قد تركت أثراً عميقاً شرساً على السياسة، وعلى الاقتصاد، وعلى الثقافة،  وعلى الأديان، والسلوك البشري وعلى الصناعة والتجارة، وعلى كل مناحي الحياة فصاغت سلوكاً بشرياً جديداً تغيرت فيه القيم والمقاييس والعادات القديمة،  وساعدت فيها تلك الثورة الرقمية بشكل واسع وهي نتاج هذا النظام وليس غيره،  ولذاك الثورة الرقمية هي الزلزال، لأن سلاح الأضداد لما حدث سيكون منتجها بالتأكيد... هنا يمكن أن يكون تفسيراً جاداً لما تتوقع من زلزال أياً كان نوعه، وكوارث وحروب ودمار، رغم أن التوقع التي تتحدث عنه أنت  هو شكلا من أشكال الأثر الذي أتحدث عنه أنا للعولمة وليس شيئا لاهوتياً بالمعنى الذي يصل للجمهور، رغم اعترافنا بقدرة الخالق على عمل كل شيء، ولكن العبرة.. أن تنتظر القدر بعد أن تنتهي محاولاتك كإنسان وكشعب لتغيير واقعك البائس، وليس قبل أن تحاول.