الإمارات تروي الأرض والإنسان
نشر بتاريخ: 2025/12/17 (آخر تحديث: 2025/12/17 الساعة: 19:30)

في زمن الحرب، يعود الإنسان قسرًا إلى أبجديات البقاء الأولى.

في غزة، عاد الشعب الفلسطيني إلى عصورٍ وسطى لم يقرأها في الكتب، بل عاشها على كتفيه، وهو يحمل جرار الفخار، ثم الأواني البلاستيكية، بحثًا عن قطرة ماء تُنقذ يومًا، وتُؤجِّل عطش حياة.

الماء… تلك النعمة البسيطة التي كانت تصل البيوت دون سؤال، تحوّلت إلى رحلة شقاء.

يسير النازحون مسافاتٍ طويلة، يلهثون تحت شمسٍ قاسية، أو في بردٍ لا يرحم، حتى إذا بلغوا نقطة التزوّد عادوا إلى خيامهم مثقلين بالألم قبل الأوعية.

وحين يصل النازح إلى خيمته، لا يصل منتصرًا، بل منكسر الخطوات، محمّلًا بإرهاق الجسد وقلق الغد.

وسط هذا المشهد الإنساني القاسي، كنتُ جالسًا في خيمتي بمواصي خانيونس، بلا فراش ولا غطاء، حين دوّى صوت ضجيجٍ مفاجئ.

نظرتُ من ثقب الخيمة، فإذا بالعاملين يمدّون خطَّ مياهٍ إماراتيًّا بمحاذاة الخيام.

عندها تنفّستُ بعمق، وحمدتُ الله، وشكرتُ دولة الإمارات العربية المتحدة، متناسيًا قسوة تعبئة المياه وعذابها اليومي.

جاءت مبادرة الإمارات العربية المتحدة لتُعيد للماء معناه الإنساني، لا بوصفه خدمةً طارئة، بل حقًّا أصيلًا للحياة.

فقد وفّرت خط مياه يمر بمحاذاة خيام النازحين، ليكسر دائرة العطش، ويُخفّف عن الأكتاف المنهكة عبءَ المسافات والانتظار.

ضمن عمليات "الفارس الشهم 3"، لم يكن الماء بندًا عابرًا في جدول الإغاثة، بل أولوية إنسانية في زمن الحرب.

منذ الأيام الأولى، عملت الفرق الإنسانية على تقييم الاحتياج، ثم الشروع في مدّ خطوط المياه، وتأمين مصادر آمنة، وتوفير صهاريج وخزانات، وصولًا إلى إيصال المياه مباشرةً إلى محيط الخيام، حيث يقيم الأطفال والنساء وكبار السن.

لم يكن تسلسل الخدمات ارتجاليًا، بل قائمًا على فهمٍ عميق لكرامة الإنسان في أوقات النزوح.

فالماء هنا ليس فقط للشرب، بل للطهي، وللنظافة، ولحفظ الحدّ الأدنى من الصحة العامة، ومنع تفشّي الأمراض، وحماية ما تبقّى من حياةٍ تُقاوم تحت القصف والحصار.

لقد أثبتت "الفارس الشهم 3" أن العمل الإنساني الحقيقي لا يُقاس بحجم الصور ولا بضجيج العناوين، بل بمدى وصوله إلى التفاصيل الصغيرة في حياة الناس؛ إلى خيمةٍ بعيدة، وطفلٍ عطشان، وأمٍّ تنتظر دورها دون خوفٍ من أن تعود بلا ماء.

الخلاصة

في زمنٍ تكسّرت فيه مقوّمات الحياة، كانت الإمارات حاضرة بالفعل قبل القول، وبالإنسان قبل العنوان.

وإننا، من قلب المعاناة الفلسطينية، نتقدّم بخالص الشكر والتقدير إلى

سموّ الشيخ محمد بن زايد آل نهيان،

على ما قدّمته دولة الإمارات العربية المتحدة من خدماتٍ إنسانيةٍ نبيلة، أعادت للماء معناه، وللأرض بعضًا من طمأنينتها، وللإنسان كرامته.

فحين تُروى الأرض، يُبعث الأمل…

وحين يُصان الإنسان، تنتصر الإنسانية.