اسبانيا تفضح تلاعب إسرائيل بتصويت "يوروفيجن": مخطط دبر في الكواليس
نشر بتاريخ: 2025/12/06 (آخر تحديث: 2025/12/06 الساعة: 11:30)

مدريد - اتهم رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسبانية RTVE، خوسيه بابلو لوبيز، إسرائيل بتزوير نتائج التصويت داخل الاتحاد الأوروبي للبث UER/EBU بشأن مسابقة "يوروفيجن" الموسيقية.

وجاءت تصريحاته عقب تقرير نشره موقع "يديعوت أحرنوت" العبري يؤكد وجود فريق خاص في منزل الرئيس يتسحاق هرتسوغ عمل سرا لمنع استبعاد إسرائيل من المسابقة.

وقال لوبيز، إن المعلومات التي كشفت حديثا "تثبت أن التصويت لم يكن عفويا أو نزيها، وأن إسرائيل ناورت في الظل لأشهر لضمان بقائها". وأضاف في منشور على منصة "إكس": "ما بدا نقاشا ديمقراطيا في جنيف لم يكن سوى مهزلة معدة في المكاتب. حياد يوروفيجن لم يكن موجودا من قبل، ولا وجود له الآن".

وبحسب ما نقلته وسائل إعلام إسبانية عن "يديعوت أحرنوت"، فقد شكل هرتسوغ فريقا خاصا عمل خلف الكواليس عبر اتصالات دبلوماسية وضغوط داخل الاتحاد الأوروبي للبث، في محاولة لإبطال أي قرار بإقصاء إسرائيل من المسابقة. وكشفت الصحف الإسبانية أن هذا التدخل كان "حاسما" في تغيير مسار التصويت الذي أثار موجة اعتراض واسعة.

وجاءت تصريحات لوبيز بعد إعلان إسبانيا رسميا انسحابها من يوروفيجن 2026، احتجاجا على ما وصفته "تسييس المسابقة لصالح إسرائيل واستخدام الثقافة كغطاء لجرائم الحرب في غزة". وتبعها في الانسحاب كل من أيرلندا، وسلوفينيا، وهولندا، في خطوة تعد غير مسبوقة منذ تأسيس المسابقة.

وقالت هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسبانية في بيانها: "لا يمكن لإسبانيا أن تكون جزءا من مسابقة تستخدم لتبييض صورة دولة ترتكب انتهاكات جسيمة بحق المدنيين".

وانتقد لوبيز ما وصفه بالـ"صمت المخز" من الاتحاد الأوروبي للبث تجاه الاتهامات الخطيرة، مؤكدا أن المنظمة "لم ترد حتى الآن على التقارير التي تظهر بوضوح تدخلات سياسية إسرائيلية لتغيير نتيجة التصويت".

وأضاف: "في الساعات الأخيرة سمح الاتحاد بهجمات ممنهجة ضد هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسبانية وصلت إلى حد اتهامنا بنشر الكراهية، بينما تجاهل تماما الحملة التي تقودها إسرائيل للتلاعب بالمهرجان".

ورغم انسحاب بلاده، أكد رئيس هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسبانية أن الهيئة ستواصل تطوير مهرجان "بينيدورم فيست" الوطني، معتبرا أنه "مساحة إبداعية حقيقية، بعيدة عن السياسات الملوثة التي باتت تحيط بيوروفيجن”. وتعهد بأن تكون نسخة 2026 "استثنائية وغير مسبوقة".

تأتي الأزمة الأخيرة ضمن موجة متنامية من الدعوات الأوروبية لمقاطعة إسرائيل ثقافيا وفنيا، وسط اتهامات لها باستخدام الفعاليات الدولية، ومنها يوروفيجن، كوسيلة للتطبيع وتلميع صورتها، بينما تستمر في ارتكاب جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني.

وبينما يلتزم الاتحاد الأوروبي للبث الصمت، تؤكد التسريبات الجديدة أن إسرائيل لم تكتف بالمشاركة في المسابقة، بل تدخلت سرا لضمان عدم المس بمكانتها، ما يعيد طرح تساؤلات واسعة حول نزاهة واحدة من أشهر الفعاليات الفنية في العالم.

وبحسب "تلغراف"، فإن ردود الفعل الغاضبة بدأت تتسع سريعاً؛ إذ لوّحت آيسلندا بدورها بالانسحاب قبل اجتماع حاسم في جنيف، بينما تحدثت تقارير عن دراسة بلجيكا وفنلندا اتخاذ الخطوة نفسها.

ومع اقتراب موعد تأكيد المشاركة في منتصف ديسمبر، يتزايد الضغط على اتحاد البث الأوروبي، المنظم للمسابقة، في وقت تجد فيه الدول الداعمة مالياً مثل ألمانيا والنمسا، نفسها في موقف معقّد؛ فهي هددت بالانسحاب إذا تم استبعاد إسرائيل، وهو ما سيترك يوروفيجن بلا ممول كبير وربَّما بلا مدينة جاهزة للاستضافة.

ويرى المحللون أن الاجتماع الذي عقد الخميس الماضي كشف حجم الانقسام؛ فأغلبية أعضاء اتحاد البث أعلنوا رفضهم التصويت على استبعاد إسرائيل، واختاروا بدلاً من ذلك دعم مجموعة من القواعد الجديدة تهدف إلى منع التدخل الحكومي في المسابقة، بعد الجدل الواسع الذي أثاره تصويت الجمهور لصالح إسرائيل العام الماضي، وبينما أغلق هذا الإعلان الباب أمام أي تحرك جماعي لإقصاء تل أبيب، لكنه فتح باباً آخر على شكل انسحابات فردية تعكس غضباً سياسياً وشعبياً يصعب احتواؤه.

في المقابل، رحّب الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بالقرار، معتبراً أنّ مشاركة بلاده "حق طبيعي"، فيما أكدت هيئة البث الإسرائيلية "كان" مشاركتها دون تردد، لكن على الجانب الآخر، كانت مواقف الدول المنسحبة أكثر حدّة؛ فأيرلندا أعلنت أنها لن تشارك ولن تبث الحدث، بينما قالت هيئة "RTVE" الإسبانية إن استمرار الحرب في غزة، واستخدام إسرائيل المسابقة لتحقيق "أهداف سياسية" أفرغ الحدث من حياده الثقافي.

ويعتقد مراقبون أن المسألة لم تعد سياسية فحسب، بل أصبحت تنظيمية كذلك؛ ففي العام الماضي طفت للسطح اتهامات بتلاعب في الأصوات بعد أن قفزت المغنية الإسرائيلية يوڤال رافائيل من المركز 14 إلى الثاني بفضل تصويت الجمهور، وسط احتجاجات واسعة قادت إلى تعطيل أدائها خلال النهائي في بازل، ولتفادي تكرار الفوضى، خفض اتحاد البث عدد الأصوات المسموح بها من كل وسيلة دفع، وأضاف إجراءات لمنع النشاط المنسق في التصويت.

ورغم أنّ اتحاد البث يؤكد أن يوروفيجن "ليست حدثاً سياسياً"، وأنّ المشاركين فنانون لا حكومات، فإن الوقائع الأخيرة تضع هذا الخطاب تحت اختبار صعب؛ فالمسابقة التي لطالما قدّمت نفسها كمنصة موسيقية عابرة للحدود أصبحت اليوم ساحة تتقاطع فيها المواقف الأخلاقية مع الحسابات المالية ومعركة الرأي العام، ما يجعل نسخة 2026 أقرب إلى اختبار وجودي ليوروفيجن نفسها.