الفارس الشهم 3… حين يُعيد الإنسان ترتيب الأمل فوق دمار غزة
نشر بتاريخ: 2025/12/04 (آخر تحديث: 2025/12/05 الساعة: 11:33)

في اللحظات التي ينهزم فيها الكلام أمام هدير الحرب، وفي الأزقة التي يضيق فيها النفس من الدخان، كانت غزة تبحث عن يد تحمل قلبا يعرف معنى الحياة، ومعنى أن تُنقذ حياة، وأن تُطفئ وجعاً، وأن تمدّ لأهلها خيطا من نور.

ومن بين المياه، عبر بحرٍ وجزيرة، وبين واحةٍ وجبل، جاءت الإمارات بفارسها الشهم الثالث، تحمل معها ما هو أكبر من الإغاثة، وأعمق من المساندة، وأصدق من الوعود ومن كل الكلمات. جاءت تحمل إنسانية كاملة، تمشي على قدمين، وتنبض في صدرين، وتقول للعالم إن الرحمة ما زالت أقوى من الخراب.

جاءت الإنسانية من أبواب السماء لجرحى غزة ومرضى السرطان..

لم تكن طائرات الإجلاء التي عبرت الأجواء إلى مطار العريش مجرد آلات حديدية، بل كانت أجنحة رحمة تمتد من أبوظبي إلى القطاع الجريح. حملت على متنها ما تبقى من أحلام أطفال فقدوا أطرافهم، ونساء انطفأت في أعينهن القدرة على احتمال الألم، ورجالا يجرّونهم من الموت جراً. وكان هؤلاء هم من يخوض حربا أخرى، حرباً صامتة، قاسية، اسمها السرطان.

هؤلاء المرضى الذين أوقف الحصار نبض علاجهم، وتوقفت أجهزة الأشعة أمام أجسادهم العاجزة، وجدوا في الإمارات طريقا يُعاد فتحه. كانوا يسافرون بأجساد منهكة، لكن بقلوب مليئة برجاء جديد، رجاء لم يعد يعرف غزة.

وجاءت مدينة الإمارات الإنسانية… كفسحة حياة في منتصف الألم.

فعندما وصلت الدفعات الأولى إلى مدينة الإمارات الإنسانية، كان المشهد أشبه بعبور من عالم إلى آخر. الخروج من فم الموت إلى أمل حياةٍ كالحياة،

المدينة لم تكن مجرد مبانٍ مصفوصة، بل كانت واحة دفء، ملاذاً يُرمّم ما أفسدته الحرب.

هناك.. تعلم الأطفال كيف يعودون للّعب، وكيف تُرسم ضحكة صغيرة بلا خوف من انفجار يدفنهم تحت الركام.

هناك، وجدت النساء غرفا آمنة تضع رؤوسهن على وسادةً دون وجل أو خوف.

هناك.. جلس الجرحى أمام نافذة لا يُرى منها دخان قصف، بل يُرى منها زرقة ورحابة السماء، وكأن المدينة صُممت لتقول لهم:

هنا أنتم بشر، هنا لكم حق الحياة، هنا الحياة لا تخافكم ولا تهرب منكم.

في غرف التقييم الأولي، كان الأطباء الإماراتيون يعيدون تقييم وترتيب أجساد تكسرت وأنهكت، ويرممون قلوبا هلكت من شدة الانتظار.

منهم من يحتاج أول جرعة علاج كيميائي، أو غسيل كلى، بعد شهور من الانقطاع، ومنهم من يحتاج ترميم العظام وتركيب أطراف جديدة، وجميعهم كانوا بحاجة نوماً بلا فزع.

كان المشهد كله كأن المدينة تحضنهم، لا كمجموعة من المرضى، بل كعائلة جاءت من تحت الركام تحتاج إلى صدر واسع.

ومن المدينة الإنسانية انطلقت قوافل العلاج نحو المستشفيات الإماراتية الكبرى. لتصبح أبوظبي مستشفىً لغزة كلها.

هناك، في مدينة الشيخ شخبوط الطبية، أعيد وصل ما انقطع من أجساد.

وفي كليفلاند كلينك أبوظبي، أجريت عمليات دقيقة لقلوب لم تعد تحتمل القصف.

وفي مستشفى خليفة ومراكز الأورام، عاد مرضى السرطان ومرضى الكلى يكتبون من جديد سجلاتهم الطبية، لكن هذه المرة بلغة الشفاء لا لغة الفقد.

لم تكن المستشفيات تعالج جرحاً في الجسد فقط، ولا ألماً في الصدر، بل كانت تعالج ما انكسر في الروح.

كان الأمل يدخل مع كل طبيب، ومع كل ضوء يسطع في غرفة العمليات، وفي كل حركة لأجهزة غسيل الكلى، ومع كل جرعة كيماوي أو موجة إشعاع لقهر السرطان، كان الأمل يخرج من خلف أبواب تلك الغرف ويُعيد رسم الحياة.

وفي الجانب الآخر من البحر، كانت غزة تستقبل أكبر جسر إنساني يمر عبر تاريخها.

من شاحنات الدقيق إلى حليب الأطفال، من الملابس إلى الخيام التي أعادت للعائلات سقفاً يحميها من البرد، من الأدوية إلى الحقائب الصحية، كانت الإمارات بهمم الفارس الشهم تطرق أبواب كل بيت وكل خيمة في غزة، لا تسأل عن اسم ساكنها، فقط عن حاجته.

المواد الغذائية، المستلزمات الطبية، المياه، الأغطية، ملابس الشتاء، وحتى ألعاب الأطفال، كلها كانت تحمل ختم الإمارات قبل أن تحمل وزنها.

كانت تصل إلى غزة كأنها تقول لأهلها:

أنتم لستم وحدكم، هناك قلوب في البعيد تخفق لكم وأجلكم.

ولم تكن المساعدات مجرد شحنات، بل كانت عملاً إنسانياً هائلاً جعل الإمارات أكبر جهة تقدم الدعم لغزة في هذه الأوقات العصيبة.

وحين يشتد الليل… يشعل الفارس الشهم شمعة الفرح.. وسط الركام، وبين القصص التي لم تعد تعرف إلا الحزن، كان لابد من ضوء، ضوء كبير، غير خائف، يعلن أن غزة ما زالت قادرة أن تحب، وأن تغني، وأن تفرح. وهكذا جاء مهرجان ثوب الفرح، كهدية من الإمارات لأبناء غزة، احتفاء بزفاف شباب أرادوا أن يبدأوا حياتهم في وقتٍ يتوقف فيه العالم عن الحياء.

كان العرس أشبه بمقطوعة فلكلور فلسطينية تنجو من بين الأنقاض.

ارتفعت الزغاريد كما لم ترتفع منذ سنوات، وارتدت غزة ثوباً جديداً، ثوباً لا يغطي جراحها، لكنه يلمع فوقها كعلامة تقول:

ما زلنا هنا، ما زلنا نعيش، ما زلنا نستحق الفرح.

في ذلك اليوم، بدت غزة كعروسٍ تتوكأ على كتف من أحبها.

وبدت الإمارات كأخت، جاءت لتشاركها الفرح في يوم اتحادها، وكأنها تقول لها:

كما شاركناكِ الألم، نشاركك اليوم البهجة والفرح.

غزة لا تموت ولن تموت… والفارس الشهم شاهدٌ على إرادة الحياة…

هكذا تمتد قصة الفارس الشهم 3، من سرير جريح في العريش إلى سرير شفاء في أبوظبي، ومن خيمة مهدّمة في غزة إلى خيمة أمان جديدة، ومن صرخة ألم إلى زغاريد عرس.

إنها قصة إنسانية كاملة، لا تُكتب بالحبر وحده، بل تُكتب بالدمع حين يرتاح، وبالقلب حين يطمئن، وبالفجر حين يولد فوق مدينة ظنت أن الليل لن يرحل.

الإمارات.. لم تكن عابرة في غزة… بل كانت روحاً وقلباً ويداً ممتدة وفارساً شهماً.

وغزة.. رغم ما مرّ بها، أثبتت مرة أخرى أنها تعرف كيف تصنع الحياة، وكيف تفتح باباً للفرح حتى لو كان العالم كله يريد أن يغلقه.. هذه هي غزة.