في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني
نشر بتاريخ: 2025/11/30 (آخر تحديث: 2025/12/05 الساعة: 13:07)

في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني، يقف أبناء شعبنا في غزة والضفة والقدس والداخل والشتات أمام لحظة مفصلية تُعيدنا لعمق المأساة التي نعيشها منذ حوالي ثمن عقود. فهذا اليوم، الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1977 ليس مناسبة احتفالية ولا حدثًا بروتوكوليًا؛ بل هو تذكير سنوي بثبات الحقيقة: أن شعبًا كاملًا ما يزال يرزح تحت الاحتلال، وأن حقوقه الوطنية والإنسانية ما تزال مؤجّلة.

نقف في اليوم العالمي للتضامن مع الشعب الفلسطيني أمام لحظةٍ من أكثر لحظات تاريخنا وضوحًا وخطورة. لحظة لا تحتمل التجميل ولا الغموض، ولا تقبل الخطابات الفارغة أو الرسائل المواربة. فكل شيء بات يُقال ويُدار علنًا: الضغوط، الصفقات، الإملاءات، فرض الحقائق والمؤامرات التي تُحاك أمام أعين العالم بلا خجل.

نعم، تُفرض علينا اليوم خيارات مؤلمة، وحلول ناقصة، وترتيبات لا تليق بدماء شعبنا ولا بتضحياته. ويراد للفلسطيني أن يقبل بين خيارين مستحيلين: إما المساعدات أو الحرية… إما الأمن المزيّف أو الكرامة الحقيقية… إما الدبلوماسية والكلام الناعم وقبول كل ما يأتي أو سحب الشرعية.

كرامة الفلسطيني ليست بندًا للتفاوض، وحرية شعبنا ليست جزءًا من أي صفقة. حقوقنا ليست قابلة للمساومة، وهويتنا ليست ورقة في لعبة سياسية. نحن شعبٌ أصيل على هذه الأرض، ولسنا ضيوفًا فيها. وأولويتنا الوطنية الأولى هي حماية شعبنا، وحماية سيادتنا، وحماية كرامتنا الوطنية. وهذا ليس شعارًا، بل واجب يومي نرفض التراجع عنه مهما اشتدت الضغوط.

ورغم قسوة المشهد، يظل يوم التضامن منصة عالمية لإعادة البوصلة إلى جوهر القضية الفلسطينية: الحرية والكرامة والعدالة. ففي الوقت الذي تتكشف فيه ضغوط سياسية وحلول ناقصة لا تلامس الحد الأدنى من تطلعات الفلسطينيين، يظل الخطاب الوطني ثابتًا وواضحًا: لا كرامة تحت الاحتلال، ولا أمن بلا حرية، ولا تسوية على حساب حقوق الشعب.

وما يميز هذا العام هو الزخم الشعبي العالمي غير المسبوق. فقد خرجت الملايين في عواصم العالم الكبرى وفي الجامعات والنقابات والمجتمعات المدنية، مدفوعة بضمير إنساني يقظ، لتؤكد أن القضية الفلسطينية ليست شأنًا محليًا بل قضية عدالة إنسانية. هذا التضامن أعاد القضية إلى النقاش الدولي وأتاح للفلسطينيين مساحة أوسع لسرد روايتهم ومطالبهم العادلة.

وبالتوازي، شهد العالم تحركات دبلوماسية وقانونية لافتة، سواء من خلال محاولات محاسبة الاحتلال على جرائمه، أو من خلال تزايد الاعترافات بالدولة الفلسطينية. ورغم أن هذه الإجراءات وحدها لا تكفي لإنهاء الاحتلال، إلا أنها تعكس تحولًا مهمًا في الوعي الدولي وفي إدراك حقيقة الصراع.

ومع ذلك، تبقى الحقيقة المريرة ماثلة: الفلسطينيون لم ينالوا حقوقهم بعد، والاحتلال ما زال واقعًا يوميًا يمس حياة كل فرد. لذلك، فإن يوم التضامن ليس للاحتفال، بل لحشد الإرادة الدولية والتذكير بجوهر القضية: استعادة حقوق شعب فقد أرضه وحريته وما يزال يقاوم الظلم بالصمود والإرادة.

ويرتكز الخطاب الفلسطيني اليوم على مجموعة من الثوابت:

• الشعب الفلسطيني هو المرجعية وصاحب القرار.

• رفض أي حلول تنتقص من الحقوق الأساسية أو تفرض وقائع مخالفة للقانون الدولي.

• تثمين التضامن الشعبي والدبلوماسي العالمي باعتباره رصيدًا يجب البناء عليه.

• التأكيد على الوحدة الوطنية كركيزة لمواجهة المرحلة المقبلة.

• تفعيل الأدوات الدبلوماسية والقانونية إلى جانب كل الوسائل المشروعة لضمان حماية شعبنا وتحقيق حريته.

لقد هرولت دول عديدة نحو اتفاقيات أبراهام بدافع براغماتي بحت، بحثًا عن مصالحها مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بعيدًا عن أي إطار عربي موحّد أو أي حل جذري للقضية الفلسطينية، بل مع استمرار تهميش الفلسطينيين واستبعادهم. واليوم، إذ يحيي الفلسطينيون ومن يقفون معهم يوم التضامن العالمي في 29 تشرين الثاني، ذكرى قرار التقسيم 181، نتوجه إلى شعوب العالم بأعمق آيات الشكر. فقد شهدنا تضامنًا شعبيًا يرتقي لأبهى صوره، ومن المهم البناء على هذا الزخم واستثماره وعدم تركه لحظيًا أو مؤقتًا حتى ينعكس نداء الشعوب وتضامنها في السياسة الخارجية للدول.

إن الشعب الفلسطيني لا يطالب بما هو فوق طاقة العالم، بل بما أقرّته الشرعية الدولية نفسها: إنهاء الاحتلال، وإقامة دولته المستقلة ذات السيادة على حدود الرابع من حزيران، وأن يعيش بكرامة وأمان أسوة بكل شعوب الأرض. وفي يوم التضامن العالمي، نعيد التأكيد أن الحقوق لا تسقط بالتقادم، وأن إرادة الشعوب أقوى من كل منظومات القهر، وأن فلسطين ستظل بوصلتنا الأخلاقية والإنسانية حتى تتحقق العدالة ويشرق فجر الحرية.