قرار مجلس الأمن 2803 بين الوصاية الدولية والانتداب الأمريكي
نشر بتاريخ: 2025/11/18 (آخر تحديث: 2025/12/05 الساعة: 15:21)

يُعد قرار مجلس الأمن رقم ٢٨٠٣ منعطفاً حاسماً في مسار القضية الفلسطينية، إذ لم يأتِ بوصفه وقفاً لإطلاق النار أو اتفاقاً تقنياً لإعادة الإعمار فحسب، بل حمل في طياته تصوراً جديداً لكيفية إدارة قطاع غزة خلال المرحلة المقبلة. وما بين مفهوم الوصاية الدولية بصيغتها الحديثة، وهيمنة النفوذ الأمريكي على بنية القرار وآلياته، ورفض فلسطيني لأي تدخل خارجي يمس السيادة، تتشكل صورة مركبة تحتاج إلى قراءة قانونية وسياسية دقيقة لفهم طبيعة هذا القرار وما سيترتب عليه.

أولاً: جوهر القرار وهيئاته الانتقالية

يُنشئ القرار نموذجاً جديداً للإدارة في قطاع غزة مبنياً على ثلاث ركائز أساسية:

١. تبني خطة سياسية شاملة لمرحلة ما بعد الحرب

باعتماد القرار خطة واسعة تتضمن وقفاً لإطلاق النار، إعادة الإعمار، ترتيبات أمنية جديدة، ومساراً سياسياً مشروطاً بمتطلبات أمنية وإدارية، قد يؤدي لاحقاً إلى تفعيل حق الفلسطينيين في تقرير المصير.

٢. إنشاء هيئة دولية انتقالية لإدارة غزة

أبرز ما جاء في القرار إنشاء كيان دولي مؤقت يعرف باسم مجلس السلام، يمنح صلاحيات تنفيذية على مؤسسات القطاع خلال فترة انتقالية تمتد حتى نهاية عام ٢٠٢٧، مع إمكانية التمديد. هذه الهيئة تشرف على السياسات المدنية، وتدير شؤون القطاع بالتعاون مع أطراف دولية وإقليمية.

٣. تفويض قوة دولية للاستقرار

أعطى القرار الضوء الأخضر لإنشاء قوة دولية مهمتها حفظ الأمن، مرافقة عملية نزع السلاح، وضبط الحدود. هذه القوة تحل محل الفصائل المسلحة في المجال الأمني، وتمهد الطريق لمرحلة سياسية جديدة.

ثانياً: الأساس القانوني للقرار

١. التفويض بموجب الفصل السابع

صدر القرار بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، ما يجعل أحكامه ملزمة. كما يُتيح لمجلس الأمن إنشاء هيئات دولية ذات صلاحيات تنفيذية داخل إقليم معين، وهو ما يفسر حجم صلاحيات مجلس السلام والقوة الدولية.

٢. حق تقرير المصير

برغم أن القرار ينشئ إدارة انتقالية جديدة، إلا أنه يربط نهايتها بالخروج إلى مسار سياسي يُفترض أنه يُمهد لتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية. لكن ربط هذا الحق بشروط أمنية وإدارية قد يفتح الباب لإطالة أمد الوصاية.

٣. غياب آليات أي رقابة فلسطينية

لم يحدد القرار بصورة واضحة جهة فلسطينية تستطيع مساءلة مجلس السلام أو القوة الدولية، ما يعني أن المساءلة ستكون دولية فقط، وهو ما يخلق فراغاً سيادياً قد يستمر طوال المرحلة الانتقالية.

ثالثاً: هل يمثل القرار صيغة من الوصاية الدولية؟

يتضمن القرار العديد من ملامح الوصاية الدولية، منها:

- إدارة دولية انتقالية ذات صلاحيات واسعة

- قوة أمنية دولية تعمل داخل الإقليم

- مدة انتقالية محددة زمنياً

- ربط العملية بالوصول إلى مرحلة تقرير المصير

لكن القرار لا يستخدم مصطلح “الوصاية”، ولا يُفعل مجلس الوصاية الأممي، بل يعتمد نموذجاً أكثر مرونة، يوازن بين الإشراف الدولي والاعتبارات السياسية للقوى الكبرى، وفي مقدمتها الولايات المتحدة.

لذلك فهو وصاية دولية بصيغة مرنة وغير تقليدية.

رابعاً: هل يمكن اعتباره انتداباً أمريكياً؟

رغم الطابع الدولي للقرار، فإن الولايات المتحدة تلعب الدور المركزي في:

- صياغة القرار

- تصميم الخطة السياسية والأمنية

- ترشيح الشخصيات القيادية في مجلس السلام

- توجيه بنية القوة الدولية

- حشد الأصوات داخل مجلس الأمن

كما أن دولاً كبرى رأت أن القرار يمنح واشنطن نفوذاً مباشراً في إدارة غزة، بينما تتحول الأمم المتحدة إلى مظلة قانونية أكثر منها جهة إشرافية حقيقية.

بناءً عليه، لا يمكن وصف القرار بأنه انتداب أمريكي صريح، لكنه يحمل مضموناً أمريكياً واضحاً داخل إطار دولي.

خامساً: البعد السياسي للقرار

١. النفوذ الأمريكي

أعاد القرار تكريس الولايات المتحدة بوصفها القوة الأكثر تأثيراً في مستقبل قطاع غزة، عبر إدارة العملية الانتقالية ومسار نزع السلاح وإعادة الإعمار.

۲. غياب الشرعية المحلية

تواجه العملية الانتقالية رفضاً من قوى فلسطينية ترى في القرار انتقاصاً من السيادة، وفرضاً لإدارة دولية لا تستند إلى توافق وطني داخلي.

٣. معادلة الأمن مقابل السيادة

يقوم القرار على معادلة واضحة: نزع سلاح، إعادة إعمار، ضمان أمن إسرائيل، مقابل إمكان التقدم نحو الدولة الفلسطينية. هذه المعادلة تؤجل السيادة لصالح الأولويات الأمنية.

٤. الانقسام الدولي

امتناع بعض القوى الكبرى "الصين وروسيا" عن التصويت يعكس محدودية الإجماع الدولي، ويطرح تساؤلات حول مدى قدرة الهيئة الانتقالية والقوة الدولية على العمل بسلاسة.

الخلاصة: بين وصاية دولية وانتداب أمريكي

يأتي قرار مجلس الأمن ٢٨٠٣ في منطقة رمادية بين نموذجين:

- وصاية دولية انتقالية، لأنه ينشئ هيئة دولية وقوة أمنية تعملان داخل إقليم مأهول، ويمتلكان صلاحيات واسعة.

- انتداب أمريكي غير مباشر، لأن الولايات المتحدة هي صاحبة النفوذ الأوسع في صياغة القرار ومراقبة تطبيقه وإدارة أدواته.

وبذلك يمكننا القول:

إن قرار مجلس الأمن ٢٨٠٣ هو إدارة انتقالية دولية بسمات وصاية، لكنها تخضع لقيادة سياسية أمريكية، ما يجعلها صيغة هجينة بين الوصاية الدولية والانتداب الأمريكي