نشر بتاريخ: 2020/10/05 ( آخر تحديث: 2020/10/05 الساعة: 05:36 )
محمد مشارقة

دلالات مطالبة شعوب شرق السودان بدولة مستقلة

نشر بتاريخ: 2020/10/05 (آخر تحديث: 2020/10/05 الساعة: 05:36)

عمت الفرحة بتوقيع اتفاق السلام النهائي في جوبا عاصمة جنوب السودان بين فصائل العمل المسلح والحكومة السودانية، لكن حدثا خطرا وقع عشية التوقيع أفسد حرارة الإنجاز الذي يوصف بالتاريخي .
فقد أعلن قادة إقليم البجة شرقي البلاد – كسلا وبورتسودان وصولا إلى القضارف – الثورة على الحكومة المركزية، بقطع الطرقات وإغلاق ميناء البلد الرئيسي، لكن الاحتجاجات أخذت منحى خطيرا بالدعوة الصريحة ولأول مرة في التاريخ الحديث إلى إعلان انفصال الإقليم في دولة مستقلة، وأن من ادعى تمثيل الشرق في مفاوضات السلام لا يمثلهم.
 
لم ينتبه المشتغلون بالشأن السوداني إلى تحذيرات جدية صدرت عن شخصيات وطنية وازنة أبرزها المثقف والسياسي المخضرم الحاج وراق عندما قال، إن كعب أخيل الثورة السودانية واستمرار البلاد موحدا يبدأ من الشرق ومظلوميته المزمنة، أخطر ما في تصريحات قادة البجة، هو إعلان القطيعة مع حزبي الأمة والاتحادي حيث يعد الشرق خزانهما الشعبي والانتخابي، فالمنطقة كانت على مر التاريخ وقود حروب المركز والثورة المهدية مع العثمانيين والمصريين والإنجليز.
اليوم يعلن القادة القبليون، أن ممثل البجة في المجلس السيادي هو بترشيح من حزب الأمة وأن عليه الاستقالة، وأن من مثل الشرق في مؤتمر جوبا للسلام لم يكن مفوضا منهم.
 الأسبوع الماضي انعقد مؤتمر "سينكات "الذي اعتمد على الروافع القبلية والعمد أو النظارة للمكون الرئيس أرضا وسكانا لمكون  "الهدندوة"، فيما استبعد شركاؤهم في الجغرافيا قبائل الحباب والبنو عامر الذين يدعون انتسابهم للعرق العربي.
من هذا المؤتمر انطلقت شرارة الدعوة للانفصال، محمولة على تهميش ومظلومية تاريخية منذ الاستقلال إلى اليوم، بثلاثية الفقر والجهل والمرض، الأهم في المشهد المستجد غالبية المتحدثين استخدموا لغة "البداويت" المحلية وليس العربية.
 
قضية شرق السودان قد تشكل الشرارة لانفجار البلد وتفتته، خاصة وأن استحقاقات وكلفة تنفيذ اتفاق السلام تفوق مقدرة السودان المفلس والغارق في أسوأ أزمة اقتصادية، ليس أقلها إعادة توطين نحو أربعة ملايين نازح ولاجئ من مناطق الصراع وإعادتهم إلى ديارهم في جنوب كردفان وجبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور. عشرات آلاف مسلحي جيوش الحركات المسلحة الذين يحتاج إدماجهم في القوات النظامية أربع سنوات ستبقى جاهزيتهم للعودة للحرب واقعية، إذا لم تحل مسائل الأرض والنازحين من ذويهم وتعويضهم.

انتفاضة شعوب شرق السودان ورفع شعار دولة مستقلة يعني فتح الباب لفتنة جديدة وحرب أهلية قبلية وعرقية، ولا يستبعد إذا ما استمر إغلاق الميناء وقطع الطرق نحو الخرطوم أن يضطر الجيش السوداني إلى التدخل العسكري لممارسة دوره السيادي.