نشر بتاريخ: 2020/09/02 ( آخر تحديث: 2020/09/02 الساعة: 04:23 )
بقلم: حيمي شليف

ثــورة نــتــنــيــاهــو

نشر بتاريخ: 2020/09/02 (آخر تحديث: 2020/09/02 الساعة: 04:23)

الاستقالة الجريئة لرئيس قسم الميزانيات، شاؤول مريدور، يمكن أن تتسبب بهزة عميقة، لكنها استقبلت بعدم اكتراث.

رسالة استقالته تضمنت أموراً تقشعر لها الأبدان بشأن أداء وزير المالية إسرائيل كاتس بشكل خاص، وحول إدارة الاقتصاد الإسرائيلي بشكل عام.

الهزة الأرضية التي كانت تحدث في السابق هي الآن ضربة خفيفة على الجناح، وحتى هي تحدث بصعوبة.

توجد لذلك عدة أسباب. أولا، كل شيء يتقزم أمام الأزمات الأكثر وجودية، كما يبدو، التي تتمثل بوباء متفشٍ وانهيار اقتصادي وعدم استقرار سياسي تحول إلى مزمن.

ثانيا، سيل الأخبار الذي لا يتوقف والذي تخلقه هذه الأزمات، حتى في يوم رحلة الطيران الاستعراضية إلى مدينة الملاهي للسلام دون الفلسطينيين في أبو ظبي، دفع استقالة مريدور إلى الزاوية وهناك سرعان ما ستنسى.

ثالثاً، بنيامين نتنياهو يعرف كيف يستغل الشلل الذي فرضه على النظام السياسي من أجل إزالة التوازنات والكوابح التي تحجب عنه ثغرات التهرب من المحاكمة، والمس بأسس الديمقراطية الليبرالية التي في وقت محنته كانت بالنسبة له شيئا غريبا.

مريدور هو ضحية أخرى للصراع ضد استقلالية الوظيفة العامة، وهي حجر أساس في كل ديمقراطية حديثة، التي يسميها نتنياهو وأصدقاؤه باستهزاء تحريضي "سلطة الموظفين".

وحتى هذه فقط ساحة حرب واحدة من ساحات كثيرة في الحرب المدمرة التي يديرها نتنياهو ضد الأسس المتهالكة للنظام الديمقراطي، الذي رغم ذلك أوصلنا إلى هذا الوضع.

بعد أن قام بخصي الكنيست وشل مراقب الدولة والانقضاض على الجهاز القضائي وإدخاله إلى وضع الدفاع، احتل نتنياهو جزءا من وسائل الإعلام وفرض ذعره على الأخرى، كل ذلك بينما كان ينشر بشكل متعمد الخلافات والفتن ويحرض إسرائيل الواحدة على الأخرى – يصعب الامتناع عن التوصل إلى استنتاج بأنه في طريقه إلى إنقاذ نفسه من الضائقة، فإن نتنياهو يقوم بثورة.

هو يطبق الوصية التي تقول: "العالم القديم سنصادره من الأساس"، لكن بطريقة منضبطة وتدريجية وغير مرئية للعين تقريباً.

ثورة نتنياهو هي صيغة نقية وأكثر ذكاء. وبسبب ذلك ربما هي أيضا أكثر خطراً من الحرب الدموية التي يديرها صديقه التوأم دونالد ترامب ضد الديمقراطية في أميركا.

ترامب هو شخص متهور وفظ أكثر من نتنياهو. وإزاء الاستطلاعات كما يبدو أيضا هو أكثر يأسا ويتجاهل القانون ويتنكر للدستور ويدوس على كل تقليد ويطلق النار في كل الاتجاهات. وهو يحرض متطرفي اليمين على استخدام العنف ويثير الشكوك حول نزاهة الانتخابات ويمهد الأرض لمواجهة قانونية ويثير المخاوف من اندلاع حرب أهلية ويعرض سلوكيات استبدادية وينشر بالجملة أكاذيب كبيرة، التي في ظل وباء "كورونا" تحولت إلى أمور وحشية.

أفعاله وتصريحاته أدت إلى تزايد المقارنات التاريخية بألمانيا في الثلاثينيات التي يمنع استخدامها عندنا.

نتنياهو وترامب يختلفان في الأسلوب وفي التكتيك، وليس في الدوافع والاستراتيجية.

كلاهما نرجسي ومصاب بالرهاب (البارانويا) ويشعر بمشاعر الاضطهاد، رغم أنهما ولدا مع ملعقة من الذهب في الفم وقفزا مثل النيزك إلى القمة.

كلاهما يرد على معارضة المؤسسة وعلى جهودها اليائسة للحفاظ على القانون والدستور في ظل انفجار قوي لجنون العظمة والتوق للانتقام.

كلاهما يقوم بانقلاب يمكن أن يتسبب بأضرار لا يمكن إصلاحها للديمقراطية ولثقة الجمهور بحصانتها، وبهذا يسحبان البساط من تحت أقدام الحياة المشتركة للمواطنين في دولتيهما.

ولكن إذا استيقظا مع ممثليهما الذين أقسموا على الدفاع عن الديمقراطية فسيشخصون الأخطار ويجدون ما سماه إسحق بن أهارون قبل نصف قرن "شجاعة التحول قبل الكارثة".

 

عن "هآرتس"