سكان «متسبيه كرميم» لا ينوون مغادرة البؤرة الاستيطانية رغم قرار المحكمة العليا بإخلائهم
بقلم: هجار شيزاف
سكان «متسبيه كرميم» لا ينوون مغادرة البؤرة الاستيطانية رغم قرار المحكمة العليا بإخلائهم
في العام 2011 عندما كان بناء بيوت البؤرة الاستيطانية «متسبيه كرميم» أوشك على الانتهاء، سارعت ياعيل ودورون ليشم إلى هناك من أجل الدخول إليها، «قبل أن تصدر المحكمة العليا أمرا مؤقتا»، قال دورون. وفي السنة ذاتها قدم ثلاثة فلسطينيين عن طريق المحامي حسام يونس التماساً للمحكمة العليا، وادعوا أنهم هم أصحاب الأرض القانونيون، التي أقيمت عليها البؤرة.
الأمر المؤقت، الذي يتحدث عنه ليشم هو أمر بوقف أعمال البناء في المنطقة إلى حين البت في الاستئناف، بعد أن اعترفت الدولة بأن الأمر يتعلق بأراض فلسطينية خاصة، وأنه كان من المحظور تخصيصها للهستدروت الصهيونية التي قامت بنقلها إلى المستوطنين.
بيت أبناء عائلة ليشم ظهر مثل أي بيت في الضواحي، فالمنطقة المكشوفة حوله، قال دورون، هي نتيجة تجميد البناء. «مرّ تقريباً عقد كان محظورا فيه عليّ أن أزرع ولو شجرة»، قال ليشم. «حتى الآن لا توجد لدي حديقة». منع الأمر، قالوا في «متسبيه كرميم»، هذا التجمع من التطور. يُستخدم الكنيس ايضا قاعة للمناسبات. كل عائلة تضطر الى أن يكون لديها سيارتان من أجل نقل الأولاد إلى المدارس في مستوطنات اخرى، وغادر الكثير من السكان هذه البؤرة الاستيطانية.
قبل سنتين، قرر أبناء عائلة ليشم شق طريق توصل الى بيتهم. حكمت المحكمة المركزية في حينه بأنه يمكن تسوية «متسبيه كرميم» حسب نظام «تنظيم السوق»، الذي يسمح ببقاء بؤر استيطانية أُقيمت على أراض خاصة في مكانها إذا تم تخصيصها بحسن نية. نحن تشجعنا.
في هذا الأسبوع صبت المحكمة العليا المياه الباردة على قرار المحكمة المركزية، وأمرت بإخلاء الأرض خلال ثلاث سنوات. رفض قضاة المحكمة ادعاء الدولة بحسن النية، وقرروا بأنها خصصت الأرض التي كانت مسجلة كأراض خاصة، من خلال غض النظر. في «متسبيه كرميم» تعيش 45 عائلة، 16 عائلة منها في بيوت ثابتة و29 عائلة في كرفانات. لا يسري القرار على 12 مبنى. ولكن السكان يوضحون بأن اخلاء البيوت التي يدور الحديث عنها يعني نهاية البؤرة الاستيطانية.
قرار الحكم، الذي أثار الغضب في اليمين، اعتبر في «متسبيه كرميم» قرارا مشوبا بتحيز سياسي واضح. «في نهاية المطاف، سينقلب الأمر على المحكمة العليا»، قال ليشم. «هم يعيشون على كوكب آخر ومقطوعون عن الشعب. وعندما نسأل كيف يصلحون ظلما بظلم، يقولون لنا، إن الفلسطيني هو الساكن الأصلي. ولكن أين نحن في الصورة؟ هل نحن لصوص؟ ألا نستحق العدل؟».
الزوجان ليشم لديهما خمسة أولاد، وقد جاء الى «متسبيه كرميم» من القدس في العام 2007 وسكنا في البداية في كرفان كبير. تعمل الزوجة معالجة بالفنون، وهو كان مدير عام مستوطنة «بركان» وسكرتير «متسبيه كرميم». والآن، يعمل في مشروع تشجيع الهجرة. دورون، الذي تعلم في «غوش قطيف»، يقول، إن قرار الانتقال الى «متسبيه كرميم» جاء في اعقاب الانفصال، من خلال الادراك بأن مشروع الاستيطان بحاجة الى التعزيز. «الانتقال للسكن هنا معناه قرار ايديولوجي»، قال. «باستثناء عدد من الاشخاص المستقلين، يجب عليك السفر طوال اليوم الى العمل ذهابا وايابا. في اليوم التالي على اصدار الحكم جرى في الحديقة الصغيرة في البؤرة الاستيطانية احتفال بعيد ميلاد شخص معين. وبين البالونات حاول المشاركون في الاحتفال ابقاء الاخبار وراءهم. «نفضل أن نفرح وأن نمارس شيئا من الحياة»، قالت احدى المشاركات، «لكننا حزينون جدا».
من المهم لسكان «متسبيه كرميم» التوضيح بأنه خلافا للصورة الشائعة، هم لم يقرروا بأنفسهم الاستيطان في التلة تحت جنح الظلام. أحد رؤساء البؤرة الاستيطانية، امرأة اسمها شيري، وهي معلمة في مدرسة ثانوية في مستوطنة «معاليه افرايم». هي وزوجها كوبي ترعرعا في مستوطنة «كوخاف هشاحر»، التي تقع على بعد مئات الامتار عن البؤرة الاستيطانية. تُعتبر «متسبيه كرميم» بشكل رسمي حيا في «كوخاف هشاحر»، ومن أجل الوصول اليها يجب المرور بالمستوطنة الأم.
«عندما تزوجنا عشنا سنتين في عيلي. وعدنا من أجل أن نقيم (متسبيه كرميم)»، قالت شيري غور آريه عن اقامة البؤرة الاستيطانية في العام 1999. «في (كوخاف هشاحر) أرادوا تشجيع الأولاد الذين يريدون مواصلة العودة. وقاموا بجمعنا وسؤالنا ما الذي يجب فعله كي يحدث هذا». هكذا، حسب اقوالها، تم اتخاذ قرار اقامة البؤرة الاستيطانية.
في البداية، أُقيمت البؤرة الاستيطانية فوق تلة أُخرى جنوب «كوخاف هشاحر». عاشت عائلة غور آريه في كرفان هناك بضعة اشهر إلى أن وافق رئيس الحكومة في حينه، ايهود باراك، ورؤساء مجلس «يشع» على نقله الى داخل حدود «كوخاف هشاحر». أُوقفت اجراءات التخطيط بعد أن تبين أن المكان المخصص هو جزء من منطقة تدريب. وعندها بدأ المستوطنون في وضع الكرفانات في المكان الحالي للبؤرة الاستيطانية. قائد المنطقة الوسطى في حينه، موشيه يعلون، شهد في المحكمة المركزية بأنه رافق بصورة شخصية اقامة البؤرة الاستيطانية، رغم أن ذلك تم دون مصادقة. في المكان الاصلي، تعيش، الآن، بضع عائلات في بؤرة استيطانية باسم «معاليه شلومو». «عندما انتقلنا فحصنا بالطبع ما يدور الحديث حوله. ولكن بصورة واضحة سمحوا للدولة بأن تقوم بالعمل»، قال شيري آريه.
الآن، تعيش العائلة في بيت ثابت، استكمل بناؤه قبل سنتين على تقديم الالتماس ضد البؤرة الاستيطانية. يوجد لكوبي حقل مزروع بأشجار الزيتون. وعندما تتحدث زوجته عن تعلق اولادها بالمنطقة تقوم باقتباس قصيدة بني عكيفا: «أيدينا مغموسة في ذرات التراب». يوجد بيت العائلة الحجري في الصف الاول من البيوت في البؤرة الاستيطانية. ومن المظلة الموجودة في الحديقة تظهر «جفعات هبلادين»، الطرف الأقصى في البؤرة الاستيطانية، و»هار هكوبا»، مثلما يسمي المستوطنون الجبل الذي يسمى بالعربية قبة النجمة. في يوم صاف، يمكننا أن نرى الأردن كله من هنا، تقول سوريت، ابنة شيري آريه.
اعتراف الدولة بأن «متسبيه كرميم» أُقيمت على اراض خاصة استقبل في اوساط سكان البؤرة بالدهشة. «كنا مصدومين. دولة اسرائيل قامت بنقلنا الى هنا. ومرة أخرى، هل أعطى شخص غير مسؤول توقيعه؟». مع ذلك، هي غير غاضبة على الدولة. «توجد في الدولة جهات كثيرة، ويوجد من يحاولون المساعدة، ومن بينهم اييلت شكيد ونفتالي بينيت»، قال السكان. «الغضب موجه لقضاة المحكمة العليا الذين بالنسبة لهم هذا نقاش حول الاراضي. هم ينظرون الى الامور من الناحية التقنية وليس الانسانية. الناس يرتكبون الاخطاء، لكن من يدفع الثمن هو نحن، وليس الجهات التي اخطأت».
وقالت غور آريه، إن السكان لم يبلوروا بعد برنامجا منظما لمواجهة هذا القرار. ولكنهم ينوون محاولة تجنيد الكنيست والجمهور من اجل الغاء شر قرار الحكم هذا. الانتقال نفسه ليس هو الذي يقلقنا. «أنا على ثقة بأنه ستكون هناك جهات ستعالج الأمر. وأنا قلقة أكثر من التداعيات على أولادنا وما سيفكرون فيه عن الدولة»، قالت سوريت، «أنا لست غاضبة. ولكن عندما سمعت عن القرار شعرت بأنه يجب عليّ قلب شيء ما».
وقال سكان «متسبيه كرميم»، إن الملتمسين الفلسطينيين بشكل عام لم يثبتوا بأنهم أصحاب الارض، رغم أنه في هذه المرحلة لا يوجد أي نقاش حول تعلُّق الامر بأراض خاصة. وحسب القانونيين المطلعين على الملف، فإن الملتمسين هم ورثة أو مشترون لم يتم تسجيلهم. «عندما جئنا الى هنا كانت التلة ارض بور تماما»، قالت غور آريه. الشعور هو أن هذا الالتماس هو لمنظمات يسارية. لم نشاهد أي فلسطينيين يتجولون هنا». عملياً، دخول الفلسطينيين الى المنطقة التي توجد فيها البؤرة الاستيطانية مُنع بأمر عسكري في العام 1975. وحسب وثيقة من العام نفسه، فإنه حتى ذلك الوقت كانت هناك زراعة في المنطقة.
الاخلاء، قال السكان، لن يفيد أحداً. «إذا اخطأت الدولة فيمكن حل الامر بصورة منطقية»، قال دورون ليشم في تطرقه لنظام التعويضات المنصوص عليه في نظام السوق. «ولكن بالنسبة للفلسطينيين هذا امر مبدئي».
كمثال على «الاخلاء العبثي»، يذكر السكان اخلاء «عمونا». ويشيرون الى أن الفلسطينيين لم يعودوا من اجل فلاحة الارض التي تم اخلاؤها. وهكذا، عند اخلاء البؤرة الاستيطانية في العام 2017 أصدر قائد المنطقة الوسطى أمرا محدثا يمنع دخول أي شخص الى المنطقة، بما في ذلك اصحاب الارض الفلسطينيون. في العام 2019 قدم أصحاب الأرض وجمعية «يوجد حكم» التماساً من أجل إلغاء الأمر، الذي تم تمديد فترة سريانه في كانون الاول الماضي. «هل سيأتون لفلاحة ارض تبعد 200 متر عن (كوخاف هشاحر)؟»، قال شاي ميمون عن الملتمسين ضد «متسبيه كرميم». «قرار الحكم هذا لا علاقة له بالواقع».
ميمون، الذي هو مدير مشروع في القدس وأب لخمسة اولاد، انتقل الى «متسبيه كرميم» من مستوطنة «تلمون» بسبب توقه للحياة الجماعية، وهو يعيش في كرفان في هذه البؤرة منذ ثماني سنوات. وحسب قوله، علّق السكان الآمال على قرار الحكم بعد أن الغت المحكمة العليا القانون المخصص للسماح بمصادرة اراض خاصة لفلسطينيين. «حيوت وملتسر كانا ايضا في التركيبة التي ألغت قانون التسوية. وهناك المقولة بأنه في حين أن القانون غير متزن، هناك حل متزن يسمح في حالات معينة بشرعنة بيوت في المستوطنة. قضاة المحكمة العليا كذبوا على الجمهور. فقد قالوا إنه سيكون بالامكان، بوساطة نظام السوق، الشرعنة. والآن، هم لا يفعلون ذلك».
تعيش رفيت مرملشتاين، مديرة مدرسة الشبيبة في بسغوت، مع زوجها واولادها التسعة في كرفانين ربطا معا. وعن سؤال ما الذي أبقاهم في «متسبيه كرميم» بعد الأمر المؤقت أجابت: «أنا ايضا سألت نفسي السؤال ذاته احيانا. ولكن الايمان بعدالة الطريق وحقيقة أننا لم نأت الى هنا على مسؤوليتنا، جعلني اؤمن بأنهم سيتوصلون الى نوع من الاتفاق وسيقومون بشرعنة ذلك». وهي تعتقد ايضا بأن الدولة قد خصصت الارض بحسن نية. ولكنها محبطة من هذا السلوك منذ ذلك الحين. «أنا غاضبة لأنه خلال كل هذه السنين لم يجدوا أي طريق قانونية للشرعنة. أشعر أن الدولة لم تتحمل المسؤولية، وأننا نحن من ندفع الثمن».
عن «هآرتس»