نشر بتاريخ: 2019/12/23 ( آخر تحديث: 2019/12/23 الساعة: 14:14 )
يونس السيد

«إسرائيل» وجرائم الحرب

نشر بتاريخ: 2019/12/23 (آخر تحديث: 2019/12/23 الساعة: 14:14)

أثارت الخطوة التي اتخذتها المحكمة الجنائية الدولية بفتح تحقيق في «جرائم الحرب» التي ارتكبتها «إسرائيل» في الأراضي الفلسطينية المحتلة حالة من الهستيريا والفزع لدى قادة الاحتلال ومستوطنيه، ليس فقط خوفاً من تعرضهم للمساءلة والعقاب، وإنما لخشيتهم من أن ينهار جدار «الحصانة» الخادعة التي وفرتها لهم الحماية الأمريكية الغربية عبر سنوات الصراع فوق رؤوسهم.

صحيح أن الخطوة جاءت متأخرة كثيراً، إذ مضى نحو خمس سنوات على الفحص الأولي الذي بدأته «الجنائية الدولية» عام 2015، عاث خلالها الاحتلال «الإسرائيلي» مزيداً من القتل والخراب والتدمير والتهجير، لكنها خطوة مهمة أيضاً، ليس لأنها ولدت من رحم الضغوط والعراقيل الهائلة التي وضعت في طريقها فحسب، وإنما لأنها وفرت، للمرة الأولى، إمكانية مساءلة «إسرائيل» التي اعتادت أن تكون «دولة فوق القانون» عن جرائمها وممارسات احتلالها ومستوطنيها بحق الفلسطينيين.

تدرك «إسرائيل» ومعها المجتمع الدولي أن السجل «الإسرائيلي» الإجرامي بحق الفلسطينيين تكاد تنوء بحمله الجبال، بل يكاد ينفجر ويفيض على العالم الذي لم يحرك ساكناً، أو لم يكن قادراً على التحرك أمام هول هذه الجرائم بفضل الحماية الأمريكية أولاً، والغربية عموماً. وهو ما يحدث بالفعل، فالمجتمع الدولي لم يعد يستطيع تحمل عجزه الذي أوصله إلى الشعور بالعار على المستويين السياسي والأخلاقي، إذ إن الجرائم «الإسرائيلية» واضحة وضوح الشمس، وفضلاً عن تاريخها الطويل، فإنها لا تزال ترتكب صباحاً ومساء، كما أن «إسرائيل» لم تنفذ عبر تاريخها قراراً واحداً من قرارات الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وهو ما يمثل استهتاراً بكل القرارات والقوانين الدولية، وصفعة دائمة للمجتمع الدولي.

وبعيداً عن الجوانب القانونية ونطاق الولاية القضائية لسلطة المحكمة الجنائية الدولية، والتي تترك الأمور بشأنها للهيئة الدولية، تحاول «إسرائيل» بناء موقفها على أن السلطة الفلسطينية ليست دولة، وأن انضمام الفلسطينيين إلى «معاهدة روما» لا يمنح «الجنائية» صلاحيات في «دول ذات سيادة»، كما تعتبر أن المناطق المحتلة «متنازع عليها»، وأن الخلافات حولها تحل عن طرق المفاوضات فقط، متجاهلة تماماً جميع الممارسات الاحتلالية التي تتناقض مع القانون الدولي، مثل نهب الأرض الفلسطينية المحتلة، وهدم بيوت سكانها، ونقل سكان دولة الاحتلال (المستوطنين) للعيش عليها، وفرض قانون طوارئ عسكري يتيح القمع والقتل وهدم المنازل والتهجير وشتى أنواع الظلم. واعتبر قادة الاحتلال ومنهم نتنياهو أنه يتم تحويل المحكمة الجنائية إلى «سلاح سياسي ضد (إسرائيل) التي لن تقف مكتوفة الأيدي». وبطبيعة الحال، هناك الموقف الأمريكي الذي أعلن على لسان بومبيو أن واشنطن ستقف بحزم ضد أي تحقيق للمحكمة الدولية في جرائم الحرب «الإسرائيلية».

ومع ذلك تبقى المخاوف «الإسرائيلية» قائمة بالفعل، والأمثلة كثيرة على قادة للاحتلال صدرت بحق جرائمهم أحكام من بعض الدول الأوروبية لا يستطيعون السفر أو يتم تهريبهم من المطارات في بعض الأحيان. بهذا المعنى، لا يمكن تجاهل خطوة «الجنائية الدولية» التي قدمت بصيص أمل بأنه لا يمكن للمجرم أن يفلت من العقاب طوال الوقت.