منذ اشهر عدة، بدأت أمريكا تشير الى ان الرئيس دونالد ترامب سيتقدم خلال فترة زمنية بمبادرة أسماها "الصفقة التاريخية" لحل الصراع في المنطقة، ولم تتوقف الإدارة الأمريكية عند المؤشرات العامة كما سبق غيرها من إدارات، بل إتجهت للعمل في مسارين متوازيين، الأول تنفيذ لبعض مما تراه أنه سيكون ضمن الحل "التاريخي" والثاني مشاورات ولقاءات لبلورة أفضل لعناصر الصفقة المرتقبة..
امريكا نفذت نقل السفارة الى القدس كجزء عملي لصفقة ترامب الإقليمية، وكانت تهدف فيما تهدف من جراء تلك الخطوة، قياس رد الفعل الحقيقي، شعبيا ورسميا على قرارها كعملية إختبارية لما سيكون أكثر تعقيدا، باعتبار أن القدس تحتل مكانة خاصة دينية وسياسية، والقياس منها سيكون تقديرا عمليا لرد فعل عند تقديم "الصفقة بكاملها"، لما للقدس من خصوصية..
وحققت الإدارة الأمريكية "نجاحا" غير مسبوقا بنقل السفارة دون أن تدفع أي ثمن أو تجد أثرا حقيقيا يمكن ان يهدد طريق المسار، سوى سقوط ما يقارب الـ65 شهيدا في قطاع غزة، فيما الضفة والقدس والمنطقة العربية دولا وشعوبا ومؤسسات، لم تحرك ساكنا سوى بعض من كلام اثار الإشمئزاز مما حمل من إستغفال نادر..
القياد الرسمية المتمركزة في مقاطعة رام الله، لم تقدم أو بالأدق لم تحرك ما يمكن أن يشير انها كانت فعلا تريد المواجهة مع الإدارة الأمريكية، وغابت حركة فتح وتحالفها السياسي عن أي عمل يمكن ان تحسب له أمريكا والكيان حسابا، يجبرها على التفكير أكثر في مراجعة مخططها الذي يسير بسرعة تفوق قدرة قيادة المقاطعة على التفكير..
بل أن ما اقدمت عليه فتح وتحالفها من خطوات شكلت "قوة دفع سياسية" لتمرير تلك الصفقة – المؤامرة، والمفارقة ان عباس وفريقه لا يكلون بالحديث أنهم يرفضونها ويصفونها بأن تهدف الى "حصار عباس"، دون تقديم سببا مقنعا لما ستحاصره وهو من قدم لها وللكيان خدمات سياسية لن تنسى من تاريخ المسار العام، فضلا ان أمن الكيان يمثل "الحماية الأهم" له شخصيا ومنزله وإسرته ولم تسجل حركة إساءة واحدة بعد الإهانة القديمة..
قيادة عباس، بالتوازي مع "الرفض اللفظي" لصفقة ترامب، عمقت درجة الإنقسام الوطني فوق ما كان ولم يعد كما كان طرفيه فتح وحماس، بل قوى سياسية من صلب منظمة التحرير، بعد ان اصرت على عقد مجلس المقاطعة "غير الشرعي وغير الوطني"، مجلس لتقزيم الموقف السياسي ولضرب أسس وحدة منظمة التحرير، والتخلص من تراث عرفاتي كفاحي شكل حملا ثقيلا على عباس ودوره السياسي المرسوم..
مجلس المقاطعة، الذي تم بموافقة وتنسيق مطلق مع الكيان الإسرائيلي وأجهزته الأمنية، جاء لتعميق "الأزمة الوطنية"، خاصة بعد رفض كل المقترحات لعقد مجلس توحيدي يعيد بناء منظمة التحرير كممثل شرعي وحيد، وفقا لمخرجات لقاء بيروت يناير 2017، لكن عباس رفض كليا لأن هدفه تعميق الإنقسام، وهو يعلم ان ذلك خدمة سياسية للمؤامرة..
وجاءت خطوة توزيع مناصب التنفيذية لتكشف أن المسألة فاقت خلافا، بل بحثا عن تدمير تاريخ وصياغة جديدة لمنظمة التحرير والغاء طابعها الأساسي الذي يحمل إسمها "منظمة التحرير"، لتصيح منظمة أقرب الى وكالة لخدمة سلطة حكم محدود في بعض من الضفة دون القطاع والقدس.
وبالتوازي مع ذلك، اقدم عباس وسلطته على المشاركة في حصار القطاع بالتكامل مع دولة الكيان، وزاد أكثر بحصاره عندما قرر "سرقة أموال رواتب غزة" ليعيد صرفها بما يخدم مشروعه الجديد..
عباس وناطقيه الذين لا يفعلون أي حركة حقيقية سوى إصدار بيانات باتت محفوظة عن ظهر قلب تعاد مرة بالعربية وثانية بالعبرية وأخرى بالإنجليزية، تتحدث عن مؤامرة وتتاجهل أنها من يساهم في صناعتها وتمريرها بوعي كامل..
من يريد التصدي لمؤامرة خطيرة لتصفية القضية لا يصمت أو يتشارك مع دولة الكيان، رغم ان قرارات المجلس غير الشرعي والمفصل لعباس وحده رفض ذلك صراحة، لكنه كان بحبر مزور..
لو حقا قيادة عباس ترفض المؤامرة، وليست جزءا منها، لذهبت فورا الى مصر ودعت الى عقد لقاء وطني عام، تتقدم خلاله برؤيتها الوطنية، وتضع خريطة طريق حقيقية للمواجهة في الضفة والقدس، بدلا من سخافة الحديث عن نظرية "التمكين" الكاذبة في غزة، وهي لا تتمكن أصلا من محيطها في الضفة إلا بإذن أمني إسرائيلي..
من يريد مواجهة المؤامرة لا يكون شريكا في تجويع 2 مليون فلسطيني بكل سفالة سياسية لم يجرؤ اي كان التفكير بها، وعباس يعلم تماما انه لولا جيش الاحتلال لما تجرأ على فعل الجريمة تلك..
من يريد مواجهة المؤامرة يعلن وبلا خجل عن وقف كل العقوبات - الإجراءات ضد شعب يستحق أن يركع عباس له إعتذارا عما فعل خلال سنوات منصبه، وأن يبدأ عمليا بالبحث عن سبل الخروج من المأزق، وأن يكسر رعبه الخاص من الذهاب الى غزة، فهي حتما أكثر أمنا له من أمن المحتلين، وعل هواء غزة وبحرها فيها الشفاء لما به..
لا يوجد كثيرا مجهولا لتعبيد طريق المواجهة للمؤامرة لو حقا أريد لها ذلك، لكن الممارسة العملية تقول غير ذلك، ومجددا حماس ليست "أم الولد"، لكنها فتح بحكم قيادتها لمنظمة التحرير حتى ساعته، رغم كل ما اصابها من "عطب وتشويه بفعل فاعل معلوم"..
عباس وفتح، من يتحملوا المسؤولية الكبرى عن رسم طريق مواجهة المؤامرة أو تعبيد طريق تمرير المؤامرة!