تصر بعض الأطراف العربية على تجاهل، أن مصر والأردن وفلسطين عقدت "صفقات سلام" مع دولة إسرائيل، رغم كل ما بها من إجحاف لحركة التاريخ، ولعدم "شرعية الكيان" قانونا وسياسيا، كونه قام بأكبر عملية إغتصاب لأرض وشعب في التاريخ المعاصر..اتفاقات هدفت لصياغة "عهد جديد" من التسويات وصناعة السلام في المنطقة، ومنع إستمرار الحرب والكراهية فيها..
وبنظرة سريعة جدا على مسار تلك الإتفاقات ومآلها التاريخي، ربما يحتاج مراجعتها بعض الساسة العرب، وهذا ليس عيبا أبدا، ومنهم الشاب "اللامع" محمد بن سلمان، سيكتشف أن آخر عناصر الإهتمام لدى الكيان الإسرائيلي هو "صناعة السلام"، وبالتحديد مع الشعب الفلسطيني وممثله الشرعي أي كان، مسماه..
جاء "إعلان المبادئ" - إتفاق أوسلو عام 1993 بين منظمة التحرير برئاسة الخالد ياسر عرفات وبين اسرائيل ممثلة في اسحق رابين، خطوة "تاريخية" لصناعة مسار سياسي جديد بين طرفي الصراع المركزي في المنطقة، وبكل "الظلم التاريخي" في ذلك الإتفاق، بموافقة منظمة التحرير على القبول بـ22% من فلسطين التاريخية، فالنتيجة العملية كانت مزيدا من العنصرية والقتل والإستيطان والتهويد، ليس للأرض فحسب بل للمدينة الأقدس للشعب الفلسطيني، عاصمته الأبدية القدس..
دولة الكيان، لم تغتال عملية السلام فحسب، بل أنها قامت بإغتيال رئيس حكومتها، في عملية إعدام علنية لا سابق لها، وفقط لأنه قام بتوقيع "إتفاق مع منظمة التحرير"، ولاحقا شنوا حربا عدوانية لا هوادة فيها ضد الشهيد المؤسس ياسر عرفات لتمسكه بالقدس عاصمة، وبتنفيذ اتفاق تم توقيعه، فكانت النتيجة إعادة إحتلال الضفة وتدمير المؤسسة الكيانية الفلسطينية..
وبالتعاون مع أمريكا، وبعض الأطراف العربية فتحوا كل نيرانهم ضد أبو عمار لفرض شخصية سياسية فلسطينية زعموا أنها "العنوان المناسب" و"القيادة التي يستحقها الشعب الفلسطيني"، ثم إغتالوا أبو عمار أمام العالم بعد حصار كان في بث مفتوح بكل وسائل الإعلام، لتحقيق ذلك الهدف..
وجاء أبو مازن، من قالت أمريكا وإسرائيل بقيادة شارون أنه "الرجل المناسب"، ومنذ 2005 حتى ساعته، تراجعت مكانة القضية الفلسطينية مراحل هائلة، وتمكنت دولة الكيان، من تهويد ما أمكنها تهويده في الضفة والقدس، وتعمل ليلا نهار لوضع الأسس العملية لبناء "هيكلهم" في القدس على حساب الحرم الشريف، في حين أنها مارست أكبر عملية حصار إنساني ضد قطاع غزة، ساعدها بعض بني جلدتنا..
لا نود العودة للمسار منذ عام 1948 حتى تاريخه، لإستعراض جملة الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل، جرائم لا يمكنها أن تسقط من "الذاكرة التاريخية" ابدأ، حتى لو تأجل الحساب، لكن نعيد "تنشيط الذاكرة"، كما كان للخالد أبو عمار القول دوما، بالجرائم التي إرتكبتها دولة الكيان ما بعد توقيع إتفاق أوسلو عام 1993، والتي كتب عن بعضها تقرير غولدستون عام 2008، والذي تم "إعدامه" بقرار من الرئيس عباس، تلبية لرغبة أمريكا، تحت وهم أنه سيعرقل عملية السلام، ولكن هل تقدمت إسرائيل خطوة واحدة تشير الى أنها دولة تريد صناعة السلام..سؤال يحتاج الى معرفة ما كان مسارا وعملا، قبل الجواب..
التجربة الفلسطينية مع الكيان، يجب أن تكون هي النبراس الحقيقي لكل من يعتقد لوهلة أن"الصراع" مع الكيان الإسرائيلي قضية "تذاكي" أو "علاقات عامة"، ومن يعتقد أو يفكر لوهلة أنه قادر على صناعة سلام مع إسرائيل دون حل الصراع المركزي فهو واهم أولا، وخاسر ثانيا..
ولكي لا نطيل كثيرا، لماذا ترفض اسرائيل تطبيق مبادرة السلام العربية التي أطلقتها المملكة العربية السعودية منذ العام 2002، وهل يمكن إيجاد أي بند فيها يمكن إعتباره "متطرفا مشجعا على الإرهاب"، مع انها قدمت "قضية اللاجئين" كعنصر "إغراء للدولة الإسرائيلية..
القضية وبإختصار شديد، وبعد تجارب العرب أولا والفلسطينيين ثانيا، ان ""السلام الممكن" مع دولة الكيان لن يكون سوى بالفرض والإكراه، وليس خيارا طوعيا لتلك الدولة..ومن لا يملك عناصرها لا يمكنه أن يصنع سلاما..
فـ"ليس بالمحبة تصنع سلاما"..والسلام!