نقدر ونتفهم الرغبات المسكوت عنها، وتلك التي تُسمع بعض تعبيراتها بين الحين والآخر، بخصوص دور مطلوب للنائب المنتخب، وعضو اللجنة المركزية المنتخب في المؤتمر الطبيعي العام السادس لحركة فتح. فعندما تُستغلق الحلقات على شعب، فإنه يتطلع تلقائياً الى أبنائه القادرين على الحركة في الملعب السياسي، لا سيما عندما يتحول الوطن الى ساحة ضيقة جداً، يتسلط فيها اللاعبون على الناس وعلى القوى السياسية، ويُمعن رئيسهم في الإقصاء والاستبداد.
لكن تَطَلُع قطاع شعبي فلسطيني واسع، وفي الوطن والشتات الى دور للنائب محمد دحلان، يمكن فهمه واستيعاب دواعيه وتقبله. لكن الأمر يختلف عندما يكون التطلع الى دور لدحلان، قد جاء من أية قوة سياسية نافذة على الأرض. فالتطلع الشعبي مفهوم لأنه يعكس مشاعر وميول وجدانية لدى الناس، ناتئجة عن مواقف يلمسونها، وهي أصلاً، رد فعل طبيعي على ما يتعرض له الفلسطينيون بأيدي مجموعة مارقة، تمتهن الكذب، وتعيش حياة باذخة على حساب خبز الناس، ولا تحلل ولا تُحرّم، فيما هي تختص المجتمع الفلسطيني بالأذى تلو الآخر. أما الدعوة التي تطلقها أية حركة أو فصيل سياسي، فهي مع الاحترام لأصحابها، تنطوي على خطأ منهجي، وتبتعد عن الرؤية التي يراها إصلاحيو حركة فتح للنظام السياسي ولمنهجيته. فمثلما استهجن محمد دحلان أكذوبة وجود محاولة لإسقاطه بالمظلة، لكي يكون رئيساً، واعتبر تلك الفِرية من أقبح الاتهامات وأشدها سفاهة، لأنها شائنة لن يرضاها لنفسه ولا لشعبه؛ فإن تقبله لفكرة المشاركة في إدارة غزة، كمَخْرَج للقطاع من مأزقه الناجم عن ممارسات عباس وسلطته؛ يضعه في سياق آخر، غير السياق الذي يريده ويدفع اليه، ويريده الوطنيون، وهو سياق إنفاذ كل بنود الوثيقة الدستورية وإعادة الإعتبار للإرادة الشعبية والتمكين لها، لكي تفوّض من تختارهم لإدارة حياة المجتمع على كل صعيد، وأن يظل المُفَوّضون، عرضة للرقابة والمساءلة أمام مؤسسة الرقابة والتشريع. فما يحتاجه الفلسطينيون، ليس استبدال حاكم بحاكم، وإنما استبدال المنهجية الضالة الفاسدة، بمنهجية دستورية وقانونية راشدة. أما وقد دمر عباس ومن معه كل شيء، ولا زال يستقوي بحكم قبضة الاحتلال العسكرية التي تحميه من حراك شعبي يصل الى "المقاطعة"؛ فلا بد من البدء في مراكمة عناصر النِصاب والبناء الكياني الديموقراطي، من خلال مجلس تأسيسي انتقالي في غزة، تُدعى اليه النخب الفلسطينية في الشتات وبحضور من يستطيع الوصول من النخب الخاضعة لبطش عباس في الضفة، الى جزء وطنه في غزة.
الإخوة في حماس، أعطاهم الله العافية، باتوا كبقية القوى الأخرى، في حاجة الى تفويض شعبي. صحيح إن بقايا تفويضهم في العام 2006 لا زال له بقايا معنى، بخلاف التفويض العنبكوتي المزور المثير للسخرية، لعباس، بالإكراه، تحت سيف التجويع لمن لا يُفوّض؛ إلا أن التفويض عبر الصناديق، يمثل حقاً للشعب ومطلباً لحماس بعد إثني عشر عاماً من الانتخابات التشريعية. لذا فإن أقصى ما يستطيع الفتحاويون عمله، هو المشاركة في تهيئة مناخ اجتماعي، في الإدارة والاقتصاد، والشؤون البلدية، والقضاء وشرطة حفظ النظام العام واللوائح الضريبية والخدمات، يساعد على إعطاء مصداقية للبدء في عملية الإحلال السياسي، أي إقصاء المجموعة التي آذت شعبنا على كل صعيد، والعودة الى المشروعية الدستورية للنظام السياسي، ولمشروعية منظمة التحرير كعنوان، مع مشروعية إصلاحها الديموقراطي كمهمه عاجلة لا تحتمل التباطؤ!
قبل كل شي، يتعين على كل طرف أن يقدم براهين استعداده لأن يتغير. أما صيغة أن يتعاون رأسان، كأنهما جَبلان أو حصانان، لكي يخوضا في الميدان، فهذه تصلح لحكايات أبي زيد الهلالي، ولم تعد تصلح لشعب فلسطين، المظلوم، لا سيما بعد أن زاد عليه ذوو القربى ظلماً أشد مرارة.
وبالنسبة لدحلان الذي عانى وعانت بعده غزة من التمييز السلبي والإقصاء، فإنه بالضرورة لن يتقبل تمييزاً إيجابياً يستدعيه للتدخل بعد خرابها، لكي يقعد على تلها، بينما يَفْكَح الذين أخربوها. فالتمييز الإيجابي، في ضوابط تعامل الدولة مع الأقليات، هو نوع من اختصاس فئة معينة بأعطيات، تعويضاً لها عن مظالم تعرضت لها في التهميش والإقصاء. وتجربة دحلان تخالف هذا المثال، إذ جرى إكرامه بإقصائه عن مجموعة الضالين، فكان له أن حضر في قلب المشهد، حتى بات غير ذي استحقاق في التمييز الإيجابي!