حيال ما نُشر من نص اجتماع اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير يوم السبت 3 فبراير الجاري؛ يتأسى واحدنا على المستوى الذي وصلت اليه قمة هرم النظام السياسي الفلسطيني وجِذعها الأول. وتتعادل المآخذ التي على رئيس اللجنة ورئيس السلطة، مع مآخذنا على أعضائها، الذين بدا ضعف مواقفهم شبيها في تأثيراته السلبية بمواقف عباس نفسه!
لن نركز كثيراً على الألفاظ البذيئة، التي تختصر صورة الاجتماع كله. فعندما يقول عباس لعزام الأحمد عندما أراد التذكير بطريقته عندما يخرج عن السياق، إن جمهورية سلوفينيا ستعترف بدولة فلسطين وليس صحيحاً إنها تراجعت، يقاطعه عباس قائلاً:"خَلص يا أخي.. خ عليك وعلى سلوفينيا" فمعنى ذلك، أن الرجل يريد للحاضرين أن يعلموا بأنه مستفز، وأنه حتى الأخبار السارة لا يريدها، وبأن الاجتماع كله مناسبة غير محببة اليه، وأنه مضطر لها لكي لا يُقال أن ليس هناك أطراً ولا لجاناً ولا بشراً محترمين، يشاركونه في اتخاذ القرار. فهو قطعاً لا يقصد القول إن له أخ، اسمه عباس الأحمد، الذي من أقرب أصفيائه، له صفة الخاء، وإلا سيكون خاءاً مثله. فهو يريد من الخاء التي رشقها في وجه عزام، على مألوف ما يرشقه به من مفردات الاحتقار، أن تلتصق بوجوه الحاضرين، لتكون رسالة له بالإنابة، من خلال عزام. وبالطبع، لن يعترض واحد من الأعضاء على وصف زميل لهم بالخاء الرميمة، بينما تقاليد الاجتماعات المحترمة، تقر بأن إهانة عضو واحد حاضر، في إنسانيته، يتداعى له سائر الأعضاء بالاحتجاج!
غير أن الأمر الخطير المتعلق بجوهر السياسة، الذي تدل عليه القراءة المتأنية لمحضر الاجتماع، هو أن أعضاء "التنفيذية" يتوسلون رئيسها ورئيس السلطة، أن يوافق على كل استخلاصاتهم من اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير ومن تصوراتهم لما ينبغي عمله في هذه المرحلة. ذلك علماً بأنهم مُسيّسون ويتابعون. ولكن لا قيمة لما يقولون. فهو الذي يقرر وهو الذي يقترح، وإن ألحّوا على نقطةٍ، مرة أخرى بعد الإفصاح عنها، فالتعيير بضآلة أدوارهم جاهز على لسانه، وبلغة تجعلهم دجاجاُ تبيض، بينما هو يرفض بيضها قائلاً: "لا تبيضوا عليّ"!
بالطبع، لا شيء عندهم يعيّرونه به، فقد نزعوا عن أنفسهم سلاحهم بأنفسهم، كأنهم لا يعرفون عنه شيئاً، ولأن صمتهم المديد على تجاوزاته في كل صعيد، وخشيتهم من عقوباته المالية لهم، جعلهم معطوفين على قوته، ومعطوفين على ضعف النظام السياسي ومخصومين من وقتنا ومن جماليات شعبنا!
في الاجتماع، أسمع أعضاء "التنفيذية" رئيسها، بعض تمنيات الجماهير الفلسطينية، وهذه يعرفها عباس ويسمعها ويقرأها في تقارير مخابراته، وقد جهز نفسه للجواب عنها بكل ما يحتاجه الموقف من خاءات رميمة. ولعل من بين أسلحته أمام رزياهم، أن لا علم لديهم بما جرى في الاتصالات الدولية. فهو وحده الذي يعرف، وهو الذي يروي، والعُهدة على ذمة الراوي. يقول لهم مثلاً، إنه وجّه رئيس وزرائه الحمد الله ألا يجتمع بمبعوث الأمريكيين غرينبلات في بروكسل، وفي الوقت نفسه وفي الاجتماع نفسه، يضطر الحمد الله الى القول إن غرينبلات "ملتزم بالعمل معاً، وإن الأمريكيين بصدد بلورة رؤية شجاعة وتغيير كبير، وإن قرار ترامب لا يقرر الحل النهائي في القدس، وضروري إحداث تغيير جوهري في عملية السلام، وإن الأمريكيين مع الأمن والرخاء وتحسين المعابر وحل جميع الأمور عبر الحوار، لكنني لا أصدقهم". معنى هذا الكلام أن الحمد الله قد اجتمع بغرينبلات، وأن هذه الخبرية، لم يـأته بها الحمام الزاجل، وأن حديث عباس عن المقاطعة، كذب مسكوتٌ عنه ومنطوق بعكسه!
نكرر القول، إننا في حاجة الى رؤية جديدة، والى رجال شجعان، والى عقليات مُنظمة وألمعية، والى نفوس تتحلى بالكرامة واحترام النفس، لكي يُعاد الاعتبار لنظام سياسي، يليق بكفاح الشعب الفلسطيني على مر المراحل.