بادرت قيادة الإمارات، بالأصالة عن نفسها وعن شعبها الشقيق، الى تقديم مساعدة مالية معتبرة لوكالة غوث وتشغيل الفلسطينيين "أونروا" وقد خصصت للأوقاف الفلسطينية، عشرين مليون دولار، لإعانتها على الصمود واستبقاء الحضور القوي، في وجه الرياح الأصولية اليهودية العاتية التي تستهدف المدينة وعلائمها الإسلامية والمسيحية، وتستهدف بالدرجة الأولى، المسجد الأقصى المبارك. وتخصص خمسين مليون دولار لدعم عمليات الوكالة، من تعليم وبرامج خدمات إغاثية وشبابية ومنظومة صحية وتطويرية؛ خُصص خمسون مليوناً. ويمكن القول بالمختصر جداً والمفيد، إن هذا الدعم للشعب الفلسطيني، ليس جديداً ومستحدثاً في سياسة الدولة التي أسسها رجل كبير وعالي الهمة والهامة، حظي بثقة شعبه وإخوانه حكام الإمارات وأمة العرب والمسلمين، وهو الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيّب الله ثراه!
بعيداً عن ألاعيب السياسة، وتَخرّصات الكيديين؛ جاء الدعم في هذه السنة وفي هذه المرة، ليحمل معنى سياسياً يضرب في مقتل، كل أنواع الكلام المجازي وفنونه وسياقاته. ومن المعلوم أن القيادة السياسية في الإمارات، تعمل ولا تثرثر، بينما لا زال الذين يثرثرون مستنكفين عن الدخول الى جوهر الدعم للشعب الفلسطيني ومتطلباته وحقائقة الموصولة بأنباء الساعة. فوكالة غوث وتشغيل اللاجئين مستهدفة، ليس لكونها منظمة إغاثية وحسب؛ وإنما لكونها مُشبعة تاريخياً بحيثيات سياسية، عنوانها الحفاظ على معنى أن الفلسطينيين لا زالوا لاجئين، وقد تأكد في الآونة الأخيرة، أن الولايات المتحدة وإسرائيل، تحاولان شطب المعنى. ومحبطو محاولة الشطب، ليسوا الضالعين في "صفقة قرن" ولا بمحاولات الإجهاز على القضية الفلسطينية، وإنما هم الحريصون على صمود الشعب الفلسطيني وعلى استمرار عمل المنظمة التي يختزل وجودها إحدى أهم الحقائق التي تعكس فحوى القضية وتداعياتها. ولهذا السبب، استُهدفت الوكالة، ولم يُخفِ الإسرائيليون تطيرهم من وجودها، وساندهم الأمريكيون في التطير وبدأوا عملية الإجهاز على "أونروا" فاقتطعوا النصف من حجم إسهامهم المقرر لعملياتها، لكي يستكملوا مسعاهم بتعجيز الوكالة عن العمل، وهذه عملية من جنس العمل في قلب كيمياء السياسة المناوئة لطموحات الشعب الفلسطيني والأمة العربية!
في حقل التعليم، تحتضن وكالة "أونروا" 477 ألف تلميذ، موزعين على 703 مدارس تابعة لها، ونصف هذا العدد من الإناث. ويعمل في التدريس، على نفقة "أونروا" 23 ألف و400 معلم، ويبلغ معدل تكلفة التلميد أو التلميذة سنوياً 755 دولار. أما في القطاع الصحي، فإن للوكالة 139 مركزاً طبياً يعمل فيه 3107 كادراً فلسطينياً، يخدمون ثلاثة ملايين وربع المليون لاجيء، تبلغ زياراتهم العلاجية سنوياً تسعة ملايين و300 ألف زيارة. وكانت الوكالة، حتى العام 2014 قادرة على الاستمرار بالاقتراض، ثم ثَقُلت عليها الديون شيئاً فشيئاً. فحتى تلك السنة، كانت ديونها قد بلغت 225 مليون دولار، صرف منها 33% على الشباب و38% على المرأة، ما جعل الكثير من الحكومات والشخصيات الدولية الناشطة في ميدان حقوق الإنسان، تشيد بالوكالة التي ظلت تعمل في ظروف استثنائية وتقدم خدمات معتبرة للشعب الفلسطيني. وعلى الجانب الآخر، كانت إسرائيل تتحدث عكساً وتتهم الوكالة بتسييس عملها، وهي تقصد الرمزيات وبعض النشاطات التي يقوم بها التلامذة بمساندة المعلمين. أي إن إسرائيل، تريد للوكالة أن تضبط مدارسها وأن يصمت التلامذة عن الكلام في قضيتهم، بعد أن فشل المشروع الصهيوني في جعل الآباء الذين يموتون، ينجبون أطفالاً لا يتذكرون!
وبالطبع يعرف المحتلون الإسرائيليون، أن أعز ما يُقال، في كل ذكرى لانطلاقة حركتهم الوطنية المعاصرة، بقيادة ياسر عرفات، أن هذه الحركة نقلت قضية الشعب الفلسطيني، من حجم خيمة، وقضية إنسانية شأنها شأن ألوف القضايا الإنسانية في العالم، الى حجم أهم قضية في هذا العالم، على المسرح الدولي!
على طريق الإسهام الدولي المرتجى، لإبقاء "أونروا" حاضرة وتؤدي خدماتها؛ تقدمت أبو ظبي، بالأصالة عن نفسها وعن دولة "زايد الخير" بإسهامها المالي، بمقاصد نبيلة، سياسية وإنسانية وقومية، وتعمدت أن يكون الإسهام عن طريق الوكالة، وذلك خيار ذكي يضرب عصفورين بحجر واحد، وهما دعم الوكالة لكي تبقى، وإبعاد مال الدعم عن أظافر سلطة عباس.