الكوفية:يشفق واحدنا على محمود العالول، الذي ألبسته تسريبات مجتزأة، وبعض مجالس النميمة، فرضية أنه خيار عباس لخلافته، لا سيما وأن التاريخ الإسلامي، لم يستقر على آلية نورانية لتعيين الخلفية، سوى آلية الإختيار من أهل الحل والعقد جميعاً، وفي هذا الباب، يُعتمد على مصنّفات فقهية مبكرة، لعل أهمها "الأحكام السلطانية" لأبي الحسن الماوردي أحد كبار فقهاء الشافعية!
فــ "الماوردي" يعرض طرقاً ثلاث، لتولي الحكم، مرت في تاريخ المسلمين، واحدة منها تقترب من العدالة، وإثنتان تحثان العامة والدهماء، على القول الموجوع همساً: إنا لله وإنا اليه راجعون!
لكن الحال الفلسطينية، تستوجب طريقاً رابعة الى العرش، لا يتحدد مسارها، إلا بفتوى من محمود تحسم خلافة محمود، وهي أقرب الى الطريقة الثالثة، التي طاوعها الفقيه السعودي صالح العثيمين، استناداً الى الماوردي. علماً بأن هذا الأخير، دس فيها شرطاً عسيراً يعجز عنه المارق، وهو أن يحكم مغتصب السلطة، بالعدل وبشرع الله. ويقول العثيمين مستنداً الى الماوردي "عندما يغلب واحدٌ بسيفه وسلطانه، ويستتب له الأمر، وجب على الناس أن يدينوا له، حتى ولو كان قهراً بلا رضى منهم، لأنه استولى على السلطة. فإن نوزع هذا الذي وصل الى سُدة الحكم على نحو ما جرى في دولة بني أميّة؛ لعظمت المفاسد المترتبة على نزع الأمن من البلاد". ولا ينسى الماوردي في أحكامه السلطانية، التذكير بأن هذه الطريقة، تخالف شرع الله، لكنه يقول:" كان للمتولي بالقهر والسيف، السمع والطاعة إذا تغّلب بهما، وحكم بشرع الله تعالى"!
ربما تكون حماس، عندما ابتلعت طُعم السلطة، قد استندت الى هذه الفتوى، التي تصلح لقطيع من الماشية، ولم تكن تصلح للبشر في القرنين السابع والثامن، فما بالنا بالقرن الحادي والعشرين!
غير أن مليون فتوى، لن تصنع من عباس خليفة ثم تتأسس على خلافته خلافة. إن حال الفلسطينيين، اليوم، يضطرهم الى جمع حبات العقد والحل، التي فَرَطَت من خيطها، وتناثرت حباتها الصفراء والخضراء. فحتى عندما نلجأ الى الصندوق الذي اخترعته الدولة الحديثة، فلا بد من جمع المسبحة. لذا، لا معنى في هذا السياق، لأن يُلّمح عباس تلميحاً، أو يصرح تصريحاً بشيء عن خلافته، قبل أن يُعاد تأسيس قواعد النظام السياسي، وتُستعاد لُحمة أطيافه. وفي حال أن يتحقق هذا التأسيس، فمن ذا الذي يضمن للعالول أن يكون خليفة عباس، مع تكافؤ الفرص للجميع، ومن ذا الذي يضمن لعباس نفسه، وجود من يرضى أن يتسلم الحكم، على أعتبار كونه خَلَفاً صالحاً لسلفٍ صالح. فلم يفعل ذلك، أول خلفاء بني عباس مع آخر خلفاء بني أمية. فعلى الأقل، كان هذا الأخير، واسمه الطبيعي مروان بن محمد، يُكنَّى "مروان الحمار" وهو نفسه الذي أطلق اللقب على نفسه، عندما خانه التشبيه، وعباس بدوره، يصف نفسه بنفسه، كخادم للاحتلال أو غير ذلك من الارتجالات. قال مروان:"إنني أصبِر في الحرب كحمار". لذا لم يكن أول خلفاء العباسيين، وهو أبو العباس السفاح، سليل القُرشي الهاشمي العباس بن عبد المطلب، يرتضي لنفسه أن يخلف حماراً!