- الأغذية العالمي: 3 قوافل تكفي عبرت هذا الأسبوع لأول مرة إلى شمال غزة من معبر إيريز
كأن الذي يتحدث جهاراً عن عقوبات على غزة، شخص آخر وليس عباس نفسه. فهذا الأخير يخاطب مجلس ثوريته، فيقول مستهجناً إنه ليس الطرف الذي يحاصر ويخنق ويمنع عن الناس حقوقها. فهو الذي يرسل كل شيء الى غزة وحماس تسرقه، علماً أن بمقدور حكومته، أن تتواجد، لكي تحمي قوافل الخير والأرزاق التي يزعم أنه يضخها على غزة، وعلماً أيضاً بأن المقطوعة والمخفضة رواتبهم الى الربع، لأنهم من غزة، حتى لم تعد تكفيهم خبزاً مع عوائلهم وبعض مصروف لأطفالهم؛ كانت تصل عبر البنوك، ولا تمتد اليها يد سوى يده ويد مجموعته من حوله، وعلماً ايضاً، أن حماس ليست هي التي أقصت وأقعدت الكادر الفتحاوي في الجهاز الحكومي والأجهزة، ولا هي التي تتلقى مساعدات الموازنة والمقاصة، وتحرم منها المسهمين في إيراداتها، من كل سكان قطاع غزة!
هذا الرجل مصاب بداء الإنكار، وسيظل يستهويه التلاعب الذي يمكن أن ينطلي على لجنة أو مجلس لفصيل، لكنه لا ينطلي على شعب ومجتمع، يرى بأم عينه، المعطيات اليومية التي يختبر من خلالها سلوك أية حكومة وأي رئيس!
يزعم الرجل أنه يعطي لغزة كل شيء، لكن موظفي البريد يسرقونه، على نحو ما تروي النكتة الإنجليزية عن بابا نويل والعجوز المحتاجة. ولكي تتبدى الأكذوبة صادرة عن رجل صامد ومُنزّه عن كل ذميمة، يقول إنه لا يريد عصابات، وإنما يريد دولة ونظام وقانون وحكومة تطبق القانون، فلا تكون هناك زعرنة وبلطجة وسلاح في يد كل من هب ودب. كأن الأخ، أرسى قاعدة القانون في الضفة، ونجح في تصفية الزعرنة الأمنية على الناس، وزعرنه الناقمين على الحكومة، وجمع السلاح النافر على المجتمع، من أيدي المجموعات المتمردة على سلطته، ولم يتبق لديه ما يزعج، إلا سلاح المقاومة الذي يحمله حسب لغته، من هَبَّ ودب!
في سياق الإنكار، لا يريد الرجل أن يعرف، أن إنفاذ النظام والقانون عنده، لم يكن بمستوى إنفاذه عند حماس في غزة، على الرغم من مآخذنا على النواقص والتجاوزات. فهذه الأخيرة، على الأقل، وضعت يدها على مدبري كل جريمة، بينما جرائم إطلاق النار على شخصيات وسيارات أشخاص والاعتداء على أموال وممتلكات عامة، سُجلت ضد مجاهيل وطويت ملفاتها، بل جيىء بأبرياء ومناضلين، عرضوا أمام جهات التحقيق بتهم ملفقة، ثم برأتهم المحاكم، ولم تُنفذ الأحكام، ولا حتى نُفذت قرارات محاكم بإعادة جوازات سفرهم اليهم!
لا يريد الرجل أن يعرف، أن تعبير الحفاظ على الثوابت، ويقصد بها الثوابت السياسية، معناه أن الثوابت المتعلقة بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والوظيفية للناس مصونة. لا يعرف ولا يمتلك ثقافة الدولة، التي يعلم من خلالها، أن الثوابت السياسية لا تتأسس إلا على ثوابت الواجبات المُلزمة للحكم ولصالح المجتمع. ثم إن الثوابت السياسية التي يعنيها، تتعلق بــ 18% من الثوابت التاريخية للقضية الفلسطينية، فلا هو ولا ألف رئيس من شاكلته، يستطيع التفريط بها، لا سيما وأن ما فعله عباس ونجح فيه، هو خلق الشروخ والتصدعات في المجتمع وبين المناطق وفي بُنية النظام السياسي وفي فتح نفسها. فأية ثوابت تلك، التي لا يتزحزح عنها هو وحده ولا يحافظ عليها سواه، بينما هو وحده الذي يخلخل هذه الثوابت بالتنسيق الأمني ذي الحيثيات السياسية الخطيرة، في أعراف حركات التحرر، وباحتقار المرجعية السياسية التي تمثلها المنظمة، وبالاستقواء على القانون، وبشطب الوثيفة الدستورية التي باتت ذكرى!
وليس أطرف من تلميح الرجل، أمام مجلسه الثوري، بوشوك المغادرة والغياب السياسي. فمن المحتمل، أن تكون هذه هي المرة الأخيرة، التي يراهم فيها، حسب قوله. ولكي يضفي ملمحاً عاطفياً على هذا التصريح، يلمّح الى الموت، الضامن لأن تُذكر محاسن الموتى. يريد أن يربح الافتراض بأنه يغادر دون أن يفرط. أي أن يقفز من يتعين على من يخلفونه أن ينشغلوا لربع القرن في سدها. ولضمان أن تكون المدة ربع قرن وأكثر، فقد تعمد إبادة النظام السياسي الذي يمتلك الجدارة في أن يفرز قادته، حسب الأصول الديموقراطية. وحتى لم يكلف نفسه، تسمية خليفته، بقرار فوقي، لكي يتذابح الطامحون الذين لا يقبض واحدهم الآخر، فيترحم كل من يتأذى على عصره الذهبي.
على الرغم من ذلك كله وسواه، يريد أخونا بسلامته، تكريس القانون في غزة، وكأنه هو الذي أعيته حراسة القانون في الضفة، فراح يطلب فرض الحراسة في منطقة أخرى، لكي يستكمل مأثرته!