- جيش الاحتلال ينسف منازل في محيط فندق الأمل غرب غزة
عملية العَلم المفخخ، جاءت بمثابة رد فعل جزئي وتكتيكي على عربدة العدو وتعدياته اليومية، ورسالة ممهورة بتوقيع المقاومين، تقول إننا هنا حاضرون، لم نفقد قدرتنا على التصدي للمعتدين. وجاء القصف الإسرائيلي الذي تلا العملية، في سياق منهجية المحتلين التي تعتبر المقاوم الفرد أو المجموعة الصغيرة، اختزالاً لغزة كلها، لذا سارعت القوة الغاشمة الى القصف وقتل أبرياء، في محاولة لإخضاع القطاع بمقاومته وسكانه!
أينما ذهبت التحليلات، فإن الاحتلال هو أصل البلاء وسبب التفجير، لا سيما وأنه في كل يوم، يتهدد غزة بالحرب ويحشد ويستمر في إحكام الحصار. ولكي يبرهون المقاومون في غزة، على أن جاهزيتهم تتعزز ولا تخبو، فقد قدموا جديدهم، وهو التصدي للطائرات التي تقصف، بوسائل دفاع جوي، امتلكتها المقاومة، من خلال مثابرتها الإعجازية على توفير ما يمكن الحصول عليه من مقومات الدفاع عن النفس، وفتح ثغرات في الحصار، للحصول على شيء من الإمداد. ففي شريط غزة الضيق المحاصر، صُنعت معجزات الصمود فوق الأرض وتحتها. لكن المطرح ضيّق، والعدو كالحمار الرّفاص!
فماذا لو كانت غزة، موصولة بمركز حُكمٍ فلسطيني يؤدي واجبه في إعطاء سكانها حقوقهم لكي يعيشوا حياة طبيعية لا يعكر صفوها إلا اعتداءات إسرائيل؟ وماذا لو إن النظام السياسي الفلسطيني وقف مسانداً لحق الدفاع عن النفس، متمثلاً الكل الفلسطيني، وجديراً بأخذ المجموع الوطني الى التوافق على استراتيجية عمل وطني واحدة، في السياسة والمقاومة؟
بدا لافتاً أن الإقليم كله، لم يعد يكترث لما يجري في بلادنا. فالجميع يحاذر، ولا ينطق بكلمة من جنس الشجب الذي كنا نسخر منه. فقد أصبح الشجب عزيز المنال، بل أصبحت معطيات الواقع عندنا ومن حولنا، أسوأ من العجز عن الشجب، وربما يكون الذين استنكفوا عن الشجب، مشجوبون فلسطينياً في بعض ممارساتهم التي من بينها تقييد حركة سكان غزة في الإقليم، ومنع ناسها أو بشرها، من متابعة مصالحهم والتواصل مع أسرهم!
ولكي لا تأخذنا العاطفة الى الشطط، ينبغي أن نتوقف لإصلاح عرباتنا لكي لا تسخر الطرقات منا ولا يستمر النزيف. فالصراع مع العدو ماضٍ ما استمرت الحياة في وجوده، ولا موجب للاستعجال. وطالما أن الشقيق، في مركز الحكم الفلسطيني، يريد رمي غزة الى خارج حساباته ومنهجية عمله واستراتيجيته الفردية، والآخرون يحاصروننا، ليس عند المنافذ وحدها، وإنما في التدابير التي تتعمد استثناءنا من الحق في الوصول الى المطارات، حتى أصبحنا بالنسبة للإقليم بلاءً لا يريد كل طرف أن يُبتلى به؛ فلا بد لغزة بكل أطيافها من التوافق على استراتيجية عمل استثنائية، تفادياً لأن نُقتل بالإقصاء والحصار والحرب. وأول الخطوات في هذا الخيار، هو تكريس منهجية واحدة للمقاومة، يرتبط من خلالها التكتيكي بالاستراتيجي، والعملية الصغيرة بالخطة العامة. ففي أصل كل مقاومة، تكون مرحلة الإعداد، بالمفاعيل الاقتصادية والاجتماعية والخدماتية، هي الأهم، لأنها مرحلة الزرع الذي يأتي بعده حصاد.
إن العدو يتهددنا في وجودنا. والمتواطئون أمنياً معه، يريدون امتصاص عافيتنا، وإن تبقت لنا هايكلنا العظمية، فإنهم يطمحون الى سحقها. لذا فإن الخيار المضاد والنبيل والخلاّق، هو أن نتأبط أمنياتنا ونحافظ على البوصلة، ونعمل المستحيل لكي نحافظ على عافيتنا، ونبدأ عملية تنمية ذاتية، لكي يتسنى لنا مقاومة الخطط الكثيرة التي تستهدفنا في وجودنا.
لن تكون غزة جزءاً من حال الموات والبؤس السياسي والعجز السلطوي وبلا بوصلة. بل إن الحفاظ على ثقافة المقاومة ومدركات القضية وعافية المجتمع، أصبح شكلاً ذا أولوية، من أشكال المقاومة الباسلة. وطالما أننا قادرون على فتح النار من وسائل الدفاع الجوي، فإننا قادرون على فتح النار على الخطط التي تستهدفنا، لإسقاطها وردها الى نحور أصحابها!