الكوفية:يحاول البعض الفلسطيني أن يبحث "أي ثغرة سياسية إيجابية" في سلوك محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية ( عمليا تقلصت في حدود الضفة وخروجه العملي من قطاع غزة)، غير صراخه "الهزلي يخرب بيتك يا ترامب"، والادعاء بأنه رافض لصفقته، دون أن يقدم تصورا سياسيا واضحا أين يرفض تلك الصفقة، بل ما هي أصلا التي يرفضها، فحتى الساعة لم يتكرم لا هو ولا فريقه بوضعها بشكل واضح، عدا ما ورد في تقرير د.صائب عريقات للمجلس المركزي، كإجتهاد وليس كمعلومة، كونه أشار الى بعض عناوين تختلف نسبيا عما كشفه الملك الأردني عبدالله..
وافتراضا أن عباس يرفض حقا "صفقة ترامب"، والتي لن تكون قائمة دون تعديل جوهري ليس في النص فقط بل في الشراكة السياسية الروسية لتصبح "صفقة إقليمية كبرى"، تكون القضية الفلسطينية أحد مرتكزاتها وليس مرتكزها، كما يشاع، فهل يتم تحديد عناصر الرفض وحدوده وآليات ترجمة ذلك الرفض؟!
ولأن القضية ليست قل كلمة وسافر أو تجول كيفما تحب، خاصة بعد أن شراء طائرة جديدة كلفتها 50 مليون دولار، بالتزامن مع أسوء كارثة انسانية - اقتصادية في "بقايا الوطن"، وتحديدا كارثة قطاع غزة، فترجمة الرفض أي رفض يكون عبر خطوات وفعاليات وآليات عمل جماعية وليس فردية، وتلك ليست "إختراعا"، فهي كانت موجودة وبقوة في "الزمن العرفاتي"، الذي كان متهما بـ"الفردية" ومن متهميه عباس شخصيا، وقاد أخطر حملة معادية لـ"العرفاتية" مع "أمريكا والغرب" تحت شعار "ألاصلاح السياسي" منذ ما بعد قمة كمب ديفيد 2000 وتسارعت بعد يونيو 2002 الى أن تمنكوا الخلاص منه وليس اصلاحه!
ولكسب مزيدا من "المناورة" وتكريس "شرعية باتت تائهة"، لجأ عباس الى دعوة المجلس المركزي لعقد جلسة
طارئة" في رام الله، بتنسيق أمني كامل مع سلطة الاحتلال، وأصدر المجلس بيانا رآه البعض "خطوة سياسية متقدمة" نحو تعزيز سبل العمل والفكاك من الارتباط مع دولة الكيان بكل مظاهرها، الاقتصادية - التجارية والأمنية، وبحث سبل وقف التنسيق الأمني..والبدء باجراءات تكريس دولة فلسطين بديلا لسلطة فقدت كل مراميها التي شكلت من أجلها..
وناور عباس مجددا، وبعد أسابيع تذكر ان هناك "لجنة تنفيذية لمنظمة التحرير"، فعقد لها اجتماعا ( لا ضورورة للتذكير كيف كان يتحدث مع الحاضرين ولا الكلمات المستخدمة لرفض أي فكرة لا تروق له)، أعلنت في نهايته عن تشكيل لجان لكل ما ورد في بيان المجلس المركزي، دون وضوح ودون سقف زمني..متى تبدأ ومتى تنتهي..وهو ما كان "مقدمة عملية" للهروب من قرارات المركزي كما سبق في قرارات 2015، وعندما تم كشف ذلك، سارع من يبحثون "ذرائعية الارتباط بالعباسية المصلحية" الى اعتبار ذلك "سوء نوايا" والمطلوب "حسن نوايا" فيمن قال "يخرب بيتك يا ترامب"..
ولم يمض وقت طويل حتى بدأت حقيقة السياسية العباسية تنكشف، الابتعاد أكثر فأكثر عن "الوضع الداخلي الفلسطيني وعلاج مواطن الخلل فيه"، مستفيدا بل ومشجعا ارتكاب حماس أخطاء قاتلة في إدارة أزمة قطاع غزة، وأصبح الانقسام يمثل له "آلية ضرورية" للبقاء فيما هو به منصبا وسلوكا وموقفا وهروبا من أي رقابة أو محاسبة سياسية أو ماليه له ولعائلته ومقربيه، فهو يعلم يقينا ان المصالحة ليس فعلا سياسيا فحسب، بل لها أوجه متعددة، منها عودة العمل الرقابي الحقيقي وليس المصنع بمرسوم غير قانوني..
وللدلالة على ذلك جاء لقاء رامي الحمدالله الوزير العباسي الأول مع مسؤول الإرتباط العام لدولة الاحتلال، يوآف مردخاي "المنسق" في القدس برعاية مبعوث الأمم المتحدة ملادينوف، وكذا وزيرة الاقتصاد عبير عودة في "الحكومة الانفصالية"، ووزير الاقتصاد الاسرائيلي ، وكان تفاهم "عبير وكوهين" برعاية ماكرون في الإليزيه، في ذات اليوم الخميس 15 فبراير 2018، لقاءات تكشف أن "الخيار العباسي" ليس ما أقره المجلس المركزي وايضا "تنفيذية منظمة التحرير بالعمل على "فك الإرتباط بدولة الاحتلال"، بل العمل على "تعزيز الإرتباط بها" مقابل "فك الإرتباط مع المؤسسة الوطنية"بكل مكوناتها..
الخيار لم يعد سرا مهما حاول بعضهم التنقيب عن "محاسن محمود"، فهو لن يعمل أي خطوة حقيقية يمكنها أن تقلب طاولة المحتل على رأسه، كونه يعلم يقينا ما لديهم وما يمتلكون، يعلم أن أي غضب أمني اسرائيلي لن يترجم عبر بيان رفض واتهام، فتلك تترك لساسة الكيان، لكنهم سيبدأون بفتح "الخزائن"، وتخرج ملفات بكل المسميات..سياسية - مالية، فساد وسلوك شخصي، لفرد وعائلة ومقربين..صفقات مالية من وراء ظهر المؤسسة الوطنية بعضها معلوم وكثيرها مجهول للناس وليس لعدو الناس!
المسألة ليس جهلا بما يجب العمل لو أن خيار "مواجهة الصفقة الكبرى" هو القاعدة والأساس، فأسسها حددت منذ زمن، وسجلتها بيانات ووثائق، لكنها لن ترى النور في ظل هذا الحاكم، مهما حاول البعض غير ذلك..
لقاء رامي وعبير لتعزيز الإرتباط هو جزء من الأمر العباسي العام لا أكثر..وسيبقى كذلك مستخفا ومستهتترا بالمؤسسة الوطنية، ما دامت أدوات المواجهة بتلك "الخيبة السياسية" ذاتها، وبقاء حماس تدور في فلك "التخبط السياسي" وغياب رؤية وطنية واضحة، بعيدا عن "الهيمنة والتسلط والعجرفة"، رؤية تضع القضية الفلسطينية في سياق سياسي بعيدا عن "الاسلاموية" بكل تفاصيلها، تدرك انها "حركة وطنية سياسية" وليس "مرسلا ربانيا"، تضع المشروع وفق الممكن المقبول وليس وفق "الحلم المنتظر"..
دون ذلك لا ضرورة للصراخ لماذا يفعل عباس ما يفعل..لأن أدواته الأساسية الى جانب قوة الاحتلال هو عجر من يفترض انهم رافضين ذلك!